كثيرون هم اليوم من يعتقدون أن العلم قادر على تفسير كل شيء، أنا من القلائل من يعولون على العلم في كل شيء وبثقة عمياء، بل وأفصح عن خوفي من العلم أحيانا من ادعاءه هذا القدر من الثقة في المعرفة رغم اعتقادي بعظمته، وفي الوقت الذي أؤمن فيه بأن الفلسفة قادرة على تفسير جميع الأشياء، لا أرى للعلم نفس القدر من المرونة، لذلك أسرف في قول هذه العبارة بسخاء" العالم قابل للفهم، لكنه محدود في قابلية المعرفة !

في الحقيقة كلام كهذا سبقني إليه فلاسفة وعلماء كبار، نظرية" عدم الاكتمال"  لكورث غودل التي تبرهن رياضيا أن فروع الرياضيات لا يمكن أن تكون مكتملة في ذاتها وأن الحقائق الرياضية حقائق ذات بعد متناهي، مبدأ الارتياب لأنشتاين، مبدأ الاحتمال الكمومي لهايزنبورغ ...كلها تسهب في شرح عبارة واحدة العبارة:

العلم آلة محدودة القدرة على معرفة العالم وإدراك كل حيثياته.

إذا شئنا أن نأخذ العبارة من منظور فلسفي، سنجد العديد من المقاربات التي تؤكد محدودية العقل عن إدراك الحقائق الكلية، بدأ من الفلسفات الهيلينستية التي رأت بأن العالم له أبعاد لا يمكن معرفتها بالطبيعة البشرية المحدودة، رغم أنها موجودة أمامنا طول الوقت ومبثوثة في كل شيء من حولنا لكننا قاصرون عن رؤيتها.

سيقول أفلاطون فيما بعد أن الحقائق متعالية ولا يمكن معرفتها إلا بالارتقاء نحوها أو الصعود إليها كما يقول، ويقول فلاسفة آخرون أن الحقيقة بطبيعتها تحب التخفي، وتبتعد كلما اقتربنا منها، وأخرون يعتقدون أن العقل البشري غير مهيأ لفهم كل الحقائق.

لقد كانت الفلسفة ذكية منذ البداية لأن لا تقع في هذا الفخ، وعرفت أن الأساس ليس البحث عن الأجوبة ومعرفة العالم، بل الأصل والأهم من ذلك هو طرح الأسئلة لأنها الطريقة الوحيدة لفهم العالم، وقد نفهم العالم ولا نعرفه، فهل المهم أن نفهم أم أن نعرف؟

الآن أخبرنا رأيك: هل العلم البشري بالفعل محدود وغير قادر على فهم كل الحقائق؟ هل يكفي الفهم في بعض الأشياء لكي نستمر في الحضارة، أم أن كل المواضيع والمجالات والاسئلة تحتاج إلى معرفة ويقين ما؟