هل تسألت يوما، كيف لحضارة بقوة وعظمة الحضارة الفرعونية التي أنتجت أهم النظيرات الرياضية والهندسية على مر التاريخ أن تبنى على أساطير غير معقولة في منتهى الخيال والخرافة؟، كيف يمكن لعقول مثل العقول اليونانية التي أنتجت أهم وأعقد الفلسفات أن تؤمن بّآلهة تبدو لنا اليوم غبية ومضحكة؟
في الحقيقة ليس هناك أي خلل في عقول هذه الشعوب على الإطلاق، إذا تم فهم فكرة الأسطورة عندهم على مستوى أعمق، فصحيح أن الأسطورة هي كلمة مأخوذة من الأصل اليونانيmythos التي تعني حكاية عن الألهة والكائنات الإلهية والأبطال، لكن بالنسبة لهم هي حقيقة بالفعل وليست مجرد خيال أو وهم، وذلك لارتباط الأسطورة المباشر بالدين ما يجعلها مقدسة ويجعل نصوصها نصوص مقدسة لا يأتيها الشك، يقول مرسيا إلياد في تعريفه للأسطورة بأنها: " تروي تاريخاً مقدساً" فهي بالنسبة لهم تقدم تفسير شامل للعالم وتعطي نظرة كلية عن الوجود من السؤال الأول كيف تشكل العالم وما أصله إلى سؤال أين نذهب بعد الموت؟، فالإنسان القديم كان يفهم الدين من خلال الأسطورة لأنه لا يملك الثقافة والعلم الكافي الذي يجعله يفهم العالم لوحده، فكانت الأسطورة تعطيه إجابات عن الأسئلة التي تؤرقه.
تتشكل كل أسطورة من مجموعة من الطقوس والرموز، التي تحاول كل واحدة منها تجسيد الحقيقة التي جاءت بها الأسطورة، تتصف هذه الرموز والطقوس بالغموض والتعقيد الى الحد الذي يجعلها ملتبسة حتى عند المؤمنين بها، فنجد الإنسان المصري القديم مثلا مستعد كامل الاستعداد لإلقاء بنت جميلة من عائلته كقربان للآلة النيل حابي في عيده السنوي دون أي تردد، لإيمانه بإله حابي كرمز للوحدة والرخاء، لكن كيف يصدق الإنسان القديم هذه الأشياء ولا يشك في صدقها رغم إتباسها؟
معظم ما تبنى عليه الأسطورة يميل للغموض لأنه قادم من تفسيرات لا واعية، أي أنها انعكاس عن علاقة الإنسان البدائي بالوجود وفهمه له، فالعالم بالنسبة له غامض ومخيف وعدواني، فهو لا يعرف سبب ظاهرة الرعد والبرق والفيضانات والجفاف... وخوفه منها يدفعه لتفسيرها بطريقة ما تريحه، فتأتي أسطورته الخاصة لتقوم بالمهمة، فتجيب له مثلا بأن سبب الجفاف هو غضب ألهه النيل مثلا، والطريقة الوحيدة لتفادي غضبه هي التقرب إليه بقرابين مجزية بالنسبة لهم وهي أجمل فتاة في القبيلة.
الأسطورة تتثبت قدوسيتها رغم مرور الزمن بالنسبة لشعبها لأن تفسيراتها تبقى متطابقة للواقع حسب فهمهم، فأسطورة الخلق عن الصينين مثلا وهي أسطورة الين يانغ التي تقول أصل العالم بيضة كونية عملاقة تحمل كل المتناقضات في جوفها، الحرارة والبرودة، النار والماء، الظلمة والنور... قسمها الاله بان غو الى قسمين، قسم علوي شكل منه السماء وأخر سفلي شكل منه الأرض، رغم غرابتها الشديدة اليوم لكنها بقيت بالنسبة صحيحة للإنسان الصيني القديم على مدار قرون طويلة، وقس على ذلك بقية الأساطير.
إذن ما رأيك في الأسطورة ؟ هل تعتقد أن البشر يستطيعون العيش دون أساطير؟ هل الإنسان الحديث لم يعد ينتج أساطير بفعل ثقافته ووعيه أم لا؟
التعليقات