منذ الطفولة، نتعلم أن المدرسة هي المنارة التي تُضيء دروبنا نحو الفهم والمعرفة، وأن المعلّم هو رمز الحكمة . لكن ماذا لو كانت أولى الدروس التي تلقيناها هناك ليست في القراءة والكتابة، بل في إهانة الإنسان؟

أتذكر جيدًا اللحظات الأولى في المدرسة، حين تعلمنا أسماء الأشياء من حولنا: الإنسان، الحيوان، الجماد. كانت المفردات بسيطة وبريئة. غير أنني فوجئت فيما بعد بأن بعض تلك الكلمات يمكن أن تتحول إلى سلاح لغوي في أفواه من نفترضهم مربّين. نعم، من الأوائل الذين علموني أنه من الممكن إطلاق أسماء الحيوانات على البشر لم يكونوا أطفالاً مشاغبين في الحي، بل معلمون في مؤسسة يُفترض أنها منبر العلم.

كانت الصدمة أكبر حين اكتشفت أن بعض المعلمين – وليس جميعهم بالطبع – يتعاملون مع التعليم كما لو كان وظيفة عابرة، لا رسالة. رأيت أساتذة مختلين في تصرفاتهم، وآخرين يتغزلون بالطالبات في سنّ حساسة، في زمن كان فيه أغلبنا لا يزال قاصرًا. لا أنكر فضل الكثير من المخلصين الذين تركوا فينا أثراً طيباً، لكن وجود هذه النماذج المسيئة جعلني أتساءل: كيف يتحول من أُوكلت إليه مهمة التهذيب إلى من يغرس في عقول الأطفال بذور الإهانة؟

لقد تعلمت من بعض المعلمين أنه يمكن إطلاق أسماء الحيوانات على البشر، فكبر في ذهني سؤال: إن كانوا يرون في ذلك سلوكًا عاديًا، فما المانع من أستخدامه ضدهم يومًا؟ أليس الطفل مرآة لما يتلقاه؟

لنتخيل الآن طفلًا لم يتجاوز الثانية عشرة، يتعرض لاعتداء من بالغ يفترض أنه معلم بتهمة بدون محاكمة أو حتى استيعاب السبب نت المتهم، بل قد يكون السبب أن الغالبية قامو بسلوك غير مرغوب ليدفع الجميع الجميع الثمن. أي وصف يمكن أن يُطلق على صاحب هذا الفعل؟ بهيمة؟ أم أن هذا اللفظ صار أقل من أن يصف وحشية كهذه؟ بل إنني متأكد من أن مثل هذا السلوك ينبع من عقلية مستبدة تهدف لفرض السيطرة عبر تصفية سلوك معين يعتبر تهديدا لسلطتها بغض النظر عن الاساليب أو النتائج على الفرد ما دامت النتيجة الظارة ترضيها.

المؤلم أن هؤلاء لا يُحاسَبون كما يجب، رغم أنهم درسوا لسنوات تقنيات التعليم والتعامل مع الأطفال، لكنهم استبدلوها بتقنيات القمع والترهيب، وكأنهم تلاميذ في مدرسة يوسف ستالين. ناهيك عن النفاق عندما يتم اخفاء وسائل التأديب الجسدي في اليوم الذي يأتي فيه المفتش.

إن استخدام طرق ترهيبية من الاعتداء اللفضي أو الجسدي ليس مجرد كلمات تُقال أو ردود فعل عابرة في لحظة غضب؛ إنها سلوك يجرّد الإنسان من كرامته، ويغرس في الأجيال المقبلة ثقافة الإهانة بدل الاحترام. والأسوأ حين يصدر هذا من معلم، ليتحول ذلك إلى درس غير مباشر في القسوة.

إن إصلاح التعليم لا يبدأ بتغيير المناهج فقط، بل بإعادة تعريف من هو المعلم الحقيقي. المعلم ليس من يلقّن، بل من يحتضن. ليس من يُسقط غضبه على الأطفال، بل من يعلّمهم كيف يعبّرون عن مشاعرهم دون خوف.

فمن المؤلم أن يتحول المربّي إلى مصدر أذى، وأن يكون أول من يزرع في العقول بذرة سلوكيات غير أخلاقية، تلك البذرة التي تُنبت مجتمعًا يرى في الإهانة قوة، وفي الاحترام ضعفًا.