من أشهر أقوال الإمام ابن القيم - رحمه الله - والتي لا تزال تبهرني كل يوم، قوله: "من تعلّق قلبه بشيءٍ غير الله عُذّب به". وقد فصّل - رحمه الله - هذه المقولة شرحًا لا يتسع المقام لذكره هنا، ولكن دعونا نقف مع هذه الحكمة العظيمة وقفة تأمل:

التعلق هو أحد أمراض القلوب، وهو مرض صعب وليس بالهيّن. فالمتعلّق لا يرى في دنياه شيئًا سوى ما تعلّق به، وكأنه يعيش من أجله وله.

فمنهم من يتعلّق بامرأة، فلا يرى سواها حتى يعزل نفسه عن الناس بسببها، ومن شدة تعلّقه بها، يُضيّق عليها الخناق باسم المحبة، فتتركه، فيصبح في حالٍ من الشقاء لا يُوصف.

ومنهم من يتعلّق بالمال، فلا يرى في حياته شيئًا غير جمعه وتكديسه، فيعيش من أجل اكتنازه، ولا ينفقه على نفسه ولا على من يعول، فيصبح المال كطوقٍ حول عنقه وعنق من حوله.

وهذه من أشهر صور التعلق، وهناك غيرها كثير.

وللتعلّق أسباب كثيرة، ولعلّ من أبرزها وأصعبها تلك الأسباب النفسية التي ترسخت منذ الطفولة، فإن لم يتعرف الإنسان عليها ويواجهها، ظلّ قلبه يُعيده إلى ذات المواقف المؤلمة مع مواضيع تعلّقه، مرارًا وتكرارًا.

سبحان الله، كأن الله - جل جلاله - يغار على قلوب عباده؛ فهو سبحانه يريد أن يكون التعلق به وحده، حتى يتحقق كمال التوحيد، وتشهد له القلوب بكمال الألوهية والوحدانية.

الله لا يريد شريكًا في قلبك، ولذلك كتب على كل من تعلّق بغيره أن يُشقى بما تعلّق به.

ولا نقول: لا تحب المرأة، أو ابغض المال ونحوه، ولكن لا تجعل من هذه الأمور محور حياتك، وكأنك لا شيء بدونها.

أحبب ما شئت، وتعلّق بما تحب، ولكن على أن يكون وجوده في حياتك زيادة في سعادتك، لا أن يكون سببًا في هلاكك.

فإن غاب ما تعلّقت به، فلا ينبغي لذلك أن ينقص من سعادتك، ولا من احترامك لذاتك، ولا من ثقتك بنفسك.

لا تجعل محور حياتك يدور حول الأشخاص أو الأشياء، فكل ما سوى الله عَرَضٌ زائل، أما الله فهو الباقي.

حين تجعل تعلّقك بالله وحده، سترى السعادة الحقيقية، وتسعد وتسعد من حولك.