عندما نولد، لا نملك أي سيطرة على البيئة التي نجد أنفسنا فيها. أول شيء يحكم على تنشئتنا هو المجتمع الصغير الذي نولد فيه—الأسرة. لكن هل كل الأسر متشابهة؟ بالطبع لا.
هناك من يُولد يتيم الوالدين، وهناك من ينشأ في أسرة مليئة بالمشاكل والصراعات، وهناك من تتخلى عنه أمه لأنه غير مرغوب به. منذ اللحظة الأولى، نجد أنفسنا محاصرين بواقع لم نختره، لكنه يصبح جزءًا من هويتنا مع الوقت.
أثر البيئة على تكوين الشخصية
لنأخذ مثالين يوضحان كيف تترك البيئة بصماتها العميقة في النفس:
- الطفل الذي نشأ في أسرة مليئة بالصراعات:
- تخيل طفلًا يرى والدته تُضرب أمامه. تلك الأم التي كان يفترض أن تكون مصدر الأمان والحنان تتحول إلى ضحية عاجزة. الطفل يقف مذهولًا، لا يفهم لماذا يحدث هذا. قد يظن أنه نسي هذه التجربة عندما يكبر، لكن الحقيقة أن شيئًا دفينًا قد ترسخ بداخله—شعور بالخوف والتهديد.
- عندما يكبر، قد يصبح شخصًا غير مستقر، مترددًا في اتخاذ القرارات، يهرب من المشاكل حتى لو كان ذلك على حساب نفسه. وحتى في علاقاته العاطفية، قد يجد نفسه يبالغ في التعلق بالنساء، وكأنه يبحث عن ذلك الأمان الذي لم يجده في طفولته.
- الطفل غير المرغوب به:
- هذا الطفل جاء للحياة نتيجة علاقة غير شرعية، فتضطر والدته إلى التخلي عنه تحت ضغط المجتمع والظروف. يكبر وهو يحمل سؤالًا عالقًا في ذهنه: لماذا أنا؟ لماذا حدث لي هذا؟
- قد يتكيف مع الحياة ويجد طريقه، لكنه سيظل يشعر بنقص عميق في الحنان. ربما يعبر عن ذلك بالغضب، فيصبح عنيفًا، يرفض مفهوم الحب لأنه لم يعرفه يومًا، أو يسعى بشكل يائس للحصول على اعتراف المجتمع، لأنه في أعماقه يشعر بأنه مرفوض منذ البداية.
المشاعر المكبوتة تلاحقنا جميعًا
لا يهم أين وُلدت أو كيف كانت ظروف طفولتك—غنيًا كنت أو فقيرًا، في أسرة مستقرة أو مفككة—جميعنا نحمل في داخلنا مشاعر دفينة لم نخترها. بعض هذه المشاعر تشكلت بفعل البيئة، وبعضها نتيجة للمعايير الصعبة التي فرضها علينا المجتمع.
هل ما نعتقده قرارتنا الحرة، هو في الحقيقة مجرد استجابة لماضي لم نختره؟
في المقال القادم، سأتحدث عن كيف تؤثر معايير المجتمع على تشكيل هويتنا، وكيف تفرض علينا قوالب معينة دون أن نشعر.
التعليقات