كبرنا في مجتمع يرفع شعار الدين في كل زاوية، يملأ الشوارع بالمساجد واللافتات القرآنية، ويُردد ليل نهار "نحن خير أمة".

لكن حين تدقق النظر، تجد أن الدين عند الكثيرين لم يعد منهجًا، بل صار ديكورًا اجتماعيًا يُعلّق على الحائط، أو بطاقة مرور أمام الناس.

ترى الرجل يطيل لحيته ويجلس في الصف الأول في الصلاة، ثم يغشّ في عمله، ويأكل حقّ الضعيف بلا خوف.

وترى المرأة تتحدث عن الحياء، ثم تُطلق لسانها في أعراض الآخرين.

ترى الأب يوصي أبناءه بالصلاة والصوم، بينما يربيهم على "الواسطة"، ويعلّمهم أنّ الحق لا يُؤخذ إلا بالقوة أو المال.

أليس هذا نفاقًا جماعيًا؟

أليس هذا هو الذي جعلنا نفقد المعنى الحقيقي للإيمان، ونكتفي بمظهره؟

لقد علّمنا القرآن أنّ "كبر مقتًا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون"، لكننا صرنا نقول ما لا نؤمن به، ونفعل ما لا نجرؤ أن نعلنه.

صرنا نُدين الفساد في الخطب، ثم نصوت للفاسد إذا كان من عائلتنا.

نلعن الظلم، ثم نمارسه على من هم أضعف منّا.

نرفع شعارات الأخلاق، لكننا أول من يضحك على الملتزم بها.

الحقيقة الموجعة أنّنا لم نعد نعيش الدين… نحن نعيش مسرحية طويلة، كل فرد فيها ممثل بارع:

المصلّي الذي لا يعرف معنى الرحمة.

الصائم الذي يأكل أموال الناس بالباطل.

المثقف الذي يبيع قلمه لأول من يدفع.

والشاب الذي يتحدّث عن الحرية وهو عبدٌ لرغباته وشهواته.

نحن جيل يضع المصحف على الرفوف العالية، بينما يضع هواتفه تحت الوسادة!

جيل يحفظ أسماء الشيوخ أكثر مما يحفظ معاني الآيات.

جيل يخاف من الناس أكثر مما يخاف من الله.

فهل نحن حقًا متدينون؟ أم أننا مجرد نسخة مشوهة، نلبس ثوب الدين في العلن، ونعرّي قلوبنا في الخفاء؟