لم أعرف كيف أصوغ عنوانا مناسبا للموضوع ولكن ما أود مناقشته هنا هو تقديم النصائح لمن لا نعرف بناء على رواياتهم.

كثيرا ما نقرأ هنا وهناك أفرادا يطرحون مشاكلهم الخاصة طلبا للنصح, وهذا أمر طبيعي ومحبذ. ولكن أحيانا تكون هذه المشاكل المطروحة متعلقة بالمحيطين بصاحب المشكل ومجتمعه وهنا يقع الاشكال لأن أغلب من يقدم النصح في هذه الحالة يقدمها بناء على رواية صاحب المشكل دون إمكانية سماع الطرف الآخر.

فقد يخبرنا أحدهم أن أسرته تفضل إخوته جميعا عنه أو أن الكل يحسده ويغار منه أو أن لا أصدقاء له ولا أحد يطيقه أو الكل ينتقده وهلم جرا ... فيتبنى الناصحون روايته ويأخذون كلامه على أنه الحقيقة وبأن الخلل فعلا في الناس حوله.

العديد منا لا يدرك مكمن الخطأ في سلوكه وشخصيته وجميعنا متحيزون لذواتنا, لذا فمن الطبيعي أن يرى الإنسان نفسه مظلوما حتى وإن كان ظالما, من النادر أن يطرح الإنسان مشكلة يخبرنا فيها أنه شخص انتهازي أناني ظالم ومقيت والناس تكرهه ولا تطيقه, بل سيخبرنا أنه شخص صارم وعقلاني وعملي ولا يتق بأحد ولهذا السبب الناس تكرهه, لتنهال عليه النصائح على شكل: اتبث ولا تحاول أن تغير نفسك من أجل المجتمع...

لا ننسى أيضا أن نسبة من يعاني من اضطرابات نفسية بالمجتمعات مرتفعة للغاية, بعض المضطربين يختبرون العالم من حولهم بشكل مشوه, والكثير ممن يطلبون النصح تلمس من روايتهم اللامنطق واللامعقول ومع ذلك يتبنى الناصحون روايتهم ويقدمون لهم النصح بناء على ما طرحوه.

فقد تخبرك المرأة أن زوجها وأسرتها تغيرت معاملتهم, فتسرد لك قصصا عن إهمال زوجها لها وجفاء والدتها ولا مبالاة أختها, ووقوفهم إلى جانب زوجها المهمل, فتنهال عليها النصائح بطلب الطلاق وعدم الاكتراث برأي الأسرة, والواقع أن المرأة هي التي تغيرت نفسيتها بعد أن أصيبت باكتئاب ما بعد الولادة فصارت ترى الناس من حولها غير مهتمين بها.

قد يخبرك من بدأت أمارات الفصام الارتيابي تظهر عليه أن جميع أصدقائه يحسدونه وكل جيرانه يؤذونه, قد يخبرك من يعاني اضطرابا بالشخصية أن المجتمع لا يتقبله...وهكذا.

لذا أتمنى أن نستحضر جميعا هذه الحقائق في أذهاننا قبل تقديم أي نصيحة لأشخاص لا نعرفهم فنزيد الطين بلة, وأن نركز في نصائحنا على الفرد السائل ذات نفسه وكيف يمكن أن يغير من نفسه ومشاعره بدل تغذية أوهامه وضلالاته.