السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

نسير على دروب الحياة محاولين استجماع نفوسنا وتكوين ذواتنا، تمر بنا المواقف منها المؤلم القاسي ومنها المبهج المفرح، كل موقفٍ يترك أثرًا ويعلمنا درسًا، نبدأ من خلالها باستيضاح معالم أرواحنا وفهمها.

وكأننا نجمع عقدًا من حبات اللؤلؤ، كل حبة لؤلؤ تحكي قصة وتعطي عبرة وتشكل جانبًا من جوانب شخصياتنا.

ولأن الحياة لم تخلق لتسير على وتيرةٍ واحدة، ولأن دوام الحال من المحال، ولأن الدنيا لم تخلق للراحة، يحدث أن نتعثر أحيانًا، فيصبح سيرنا أبطأ، ويحدث أن نتراجع قليلًا أو كثيرًا ثم نتابع تقدمنا، ويحدث أن نسقط سقوطًا قاتلًا تنفرط على إثره حبات اللؤلؤ وتتناثر على الدرب.

فنصل لمرحلةٍ مؤلمة نجهل فيها هوياتنا، ننظر فيها إلى المرآة فنرى غريبًا يبصرنا بعينٍ لا نعرفها ولم نرها، فنحول عن النظر في المرآة لأن تلك العين الثاقبة التي تطالعنا من خلالها تصيبنا في مقتل.

هذا السقوط مهما طالت مدته واشتدت حدته وكائنًا ما كان سببه، سيعلمنا من الدروس والعبر الكثير ، وربما لا يسعنا إدراك هذه الحكم مبكرًا، قد يطول الوقت جدًا حتى نبدأ في محاولة جمع شتات أنفسنا ونتدارك الدروس والعبر..

ولكن السؤال المهم: من يقدم إلينا يد العون؟ من يجمع معنا حبات اللؤلؤ التي انفرطت على درب الحياة؟ من يوقفنا من جديد؟

1- بعد الاستعانة بالله وحوله وقوته فلو لم تكن لدينا الرغبة في الوقوف مجددًا فلن يوقفنا الإنس والجن مجتمعين، هكذا يجب أن نفهم أن تقويم أنفسنا وحثها على المواصلة هو الضوء الذي سينير الطريق للبحث عن لؤلؤاتنا المفقودة، وإن جهاد النفس ونبذ التراخي، وهجر التكاسل هو الجهاد الأكبر.

في نفوسنا وأرواحنا طاقات مخزونة والنفس بطبيعتها تميل للراحة، ولن تتحرك ما لم نجبرها ونقومها للوقوف والسعي من جديد.

2- النظر في إنجازات المتقدمين، يشعل الحماس في صدورنا، وإدراك أن إنجاز هؤلاء لم يأتِ بين عشيةٍ وضحاها، بل من مثابرة ومحاولة وتكبد مشقة وسعي وبحث ومواصلة وسقوط ومتابعة، لا مكان ولا مجال للمتراخين.

3- التواجد في بيئة باعثة على الإنجاز، وهجر المعوقات والمشتتات وأسباب التعثر كائنة ما كانت، لدينا حلمٌُ نحيا لأجله ويجب أن تنحني أمامه كل الملهيات.

4- لا تمشِ وحدك، استأنس برفيق رحلة صادق، رفيق واحد صادق يشبه روحك يغنيك عن تجمعات المئات من البشر، يرى ثغراتك فيسدها ويرى فيك من الخير والقوة ما لا يسعك رؤيته في نفسك، فربما يفاجئك بصفة فيك لم تكن تلحظها، يمد يده عندما يخبو أملك، يخيط جراح روحك بجزءٍ من روحه لتتابعا الطريق بروحٍ واحدة، وسيأتي دورك لتكون سراجه وطبيبه ومرشده إذا وهن.

5- محاولة فهم الدروس من التعثر والسقوط، ما سبب هذا التعثر؟ هل هو خطأ منا نحن؟ طيب هل خطأ عن جهلٍ أم عن تجاهل؟ كيف يمكنني تجنب السقوط فيه مجددًا؟ كيف يمكنني معالجة أثر هذا السقوط وكيف تعامل معه الناجحون؟ وهكذا.

ربما يضيق الخناق فلا نكاد نلتقط أنفاسنا ولكن ما دمنا أحياءً فمن العيب أن نستوي بالأموات، وكما قيل الماء الراكد يأسن ويفسد ويجب أن نبقى في سيرٍ حثيث ولو خطوة واحدة للأمام.

أخبروني عنكم، ما الذي ساعدكم في الوقوف من جديد بعد كبوةٍ مؤلمة كنتم تظنون أنها النهاية؟ هل تقصون علينا تجاربكم؟