أتذكر وأنا صغير، كيف كنت أنتظر بفارغ الصبر الحلقات الجديدة من بوكيمون على التلفاز، إلا أنني تفاجئت بتوقف الأنمي بعد فترة في جزئه الثاني وقد حزّ ذلك في قلبي كثيرا. توقف مركز الزهرة عن دبلجته واختفى آش عندما أنقذ تنينه تشاريزالد من الموت عندما كادت النار في آخر ذيله أن تنطفئ، مشهد مليء بالمحبة والخير والرغبة في انقاذ الغير خاصة وأن تنينه كان يرفضه ويهاجمه إلا أنه هرع إلى انقاذه عندما احتاج الأخير إلى المساعدة، نفس الشيء في الحلقة الثانية أين أنقذ آش بيكاشو من هجوم البوكيموانت الطائرة لتبدأ واحدة من أجمل الصداقات في تاريخ الأنمي في العالم.
مرّت السنين وقرأت عن سبب توقف الأنمي، وقد تعجبت من هول الحملة التي شنت على الانمي في ذلك الوقت من الشيوخ وداعميهم، وقد قال القرضاوي أحد المحرمين للأنمي "يتضمن خطرا على العقيدة بتبني الفكرة الداروينية المعروفة بنظرية النشوء والارتقاء وتطور الأجناس والأنواع من مخلوقات دنيا إلى مخلوقات أرقى وأكثر قدرة". "كما أنه يتضمن خطرا على عقلية الطفل وحسن تربيته فكريا، حيث يغرس في عقله خيالات لا أصل لها وأشياء خارقة للعادة وغير متمشية مع سنن الله الكونية، حيث تصدر من هذه الحشرات أو المخلوقات الجديدة (البوكيمونات) عجائب وغرائب لا أساس لها من عقل ولا نقل"، لا بد أن القرضاوي أراد أنمي بميزانية تنظيف حمّامه ويكون "خيال LITE". وقد ذكرت الكاتبة بثينا العيسى في روايتها "كبرت ونسيت أن أنسى" كيف أن داعمين لتلك الفتوى كانوا يوزعون منشورات تخبر الناس عن تحريم البوكيمون وتجنب مشاهدته (مجرّد تخيل المنظر يتعرضّ مخي لنوع من الحبس اللحظي).
وهذه ليست سوى واحدة من سلسلة طويلة من الفتاوى التي تحلل وتحرم على هوى الشيوخ خدمة لما يعرف الآن بالإسلام السياسي، و الإسلامي الشخصي الذي يخدم ذات المفتي حسب هواه، كالمفتي عبد الرحمن الجعلان الذي أفتى بحرمة لبس الشورط للرجال، وآخر أفتى بحرمة مشاهدة النساء للمباريات لأنهن "يشاهدن أفخاذ الرجال"، وأيضا في 2005 افتت منظمة اسلامية هندية بحرمة مشاهدة لاعبة التنس سانيا ميرزا طالما هي لا ترتدي لباسا محتشما (وهي ترتدي نفس لباس جميع لاعبات التنس حول العالم) بحجة أنها تفسد الشباب.
لقد حملت الفتوى أكثر من هذا البعد السخيف من التلميح المتواصل إلى الكبت الجنسي لدى أغلب العرب، وتعدت الفتوى من الفوضى إلى التنظيم الملهي عن التجاوزات والخدّام للملوك والرؤساء للبقاء في سدّة الحكم إلى أبد الآبدين، وهذا لم يكن ليكون لو لم تكن بيئة عيش العربي بيئة سامة ثقافيّا تنتشر فيها التناقضات ويتمزق فيها المواطن البسيط والمتعلم على حد سواء بين كثير من العوامل المتحكمة في حياته التي لم تعد له بحكم أنه أصبح ضحية لأنظمة تمسكه من اليد التي توجع، وهنا ألمح إلى ديانات العرب من مسيحية إلى إسلامية إلى درزية. وبالنظر إلى ما يعيشه العالم العربي من فوضى الفتاوى وغاياتها المتعددة، نجد تطابقا كبيرا بين هذه الفترة وفترة العصور الوسطى في أوروبا قبل الثورة الفرنسية، فقد كانت الكنيسة تلعب بالناس المؤمنين بالرب كما يلعب الشيوخ الآن بالمؤمنين بالله تماما كما يلعب الطفل بالمريونيت، فوجد الملوك أن الوسيلة الوحيدة للبقاء على العرش هي بالتقرب من الكنسية وجعل خدّامها في صفوفهم وقد حدث ذلك، ولم يرتوي القساوسة من أسرار الناس في حجرة الاعتراف فانتقلوا إلى إختراع صكوك الغفران التي نهبت أموالهم تماما كما تنهب أموال ومستقبل وماض الشعوب العربية الآن بفتاوى تمجيد الرؤساء الفاسدين الذي نغصّوا حيواتهم، فيجد العربي نفسه يتقدم خطوة ويتراجع باثنتين. وقد صار الخطاب الديني داخل كل خطاب لحمة انتخابية ما في بلد عربي ما، بغية استمالة المؤنين عاطفيا ثم ضربهم بمطرقة الحقيقة الموجعة لاحقا.
إن حل مثل هذه المشكلة يتطلب وعيا وإصلاحا تربويا لكل القائمين على المؤسسات الدينية، وإن ترديد الحكام الفاسدين للخطابات الدينية ليس إلا لنجاعته، لذلك يرفضون فصل الدين عن الحكم لأنهم سيفقدون في تلك الحالة عنصرا هاما في عملية تفريغ الجذور على كراسي الحكم.
ما رأيكم في مثل هذه الظاهرة ؟
واذكروا لنا احدى الفتاوى الغريبة وكيف تفكرون حول كل الموضوع ؟
التعليقات