مرحلة ما قبل الروضة أو الـ"بلاي سكول" بدأت بالانتشار بشكل واسع مؤخرا. أتفهم أنها قد تكون مهمة لبعض الأطفال؛ بحيث تعزز مهاراتهم الاجتماعية، وتحضرهم للمدرسة -الدخول للروضة-. لكن، شاركني بعض الأصدقاء أنها أصبحت الآن إجبارية، والمناهج التي تُشرح فيها لا يتم إعادتها في مرحلة الروضة، وأن الأطفال الذين لم يقبلوا في "البلاي سكول" لمدرسة، لا يتم قبولهم في الروضة.
كيف ترون هذا الانتشار الواسع؟
أنا أرى أن هذه مرحلة مستحدثة لأغراض تجارية واستثمارية, وأفضل مايكون عليه الطفل قبل مرحلة الروضة أو حتى الإبتدائية هو أن ترعاه وتعلمه أمه أو أبيه أو أخ له أو مثل هذا.
أتفق معك. لكن، الموضوع أصبح شبه إجباري الآن. فالمدارس لا تقبل طفلا في الروضة إذا لم يكن دخل بلاي سكول، لأنه لا يعرف الحروف، وو. والمدارس لا تريد أن تعيد هذه الأجزاء مجددا خلال مرحلة الروضة، لذا ما الحل؟
أنا حقيقة اختلف مع هذا حيث دور الروضة الفعلي هو تعليم تلك الأساسيات فما دورهم إذاً غير هذا .. كما يتوجب على الأهل أيضاً الاهتمام بالطفل في هذا مسبقاً
هذه المرحلة ظهرت لتغطي احتياجات فئة معينة، وهم الموظفات لأنهم يحتاجون لأماكن ثقة يتركون بها الأطفال حتى الانتهاء من العمل، وبالتالي هذا الموضوع لقى رواجا كبيرا بين العائلات، لكن دوما ما أجد أن هذه المرحلة حساسة للطفل، ولا أشعر بالأمان أن اترك الطفل بمكان لا يتمكن أن يعبر لي إن تعرض لأذى سواء نفسي أو بدني.
ولكن لأكون عادلة أن هناك أنشطة تعليمية إن تم توظيفها على أسس علمية مع الطفل، تفرق معه على مستوى الاستيعاب والفهم والذكاء، ولكنها كلها أنشطة لا تطلب كتابة أو مسك قلم، كلها بالنظر والملاحظة
لا أشعر بالأمان أن اترك الطفل بمكان لا يتمكن أن يعبر لي إن تعرض لأذى سواء نفسي أو بدني.
هذه نقطة مهمة. هل من الآمن ترك الطفل وحيدا أصلا في هذه السن؟ سمعت من فترة من أحد الأخصائيين أنه لا يجب على الأم ترك طفلها يذهب لمدرسة إلا عندما يستطيع أن يحكي لها قصة حدثت له بنفسه، وبوضوح. وإلا، فيجب عليها الانتظار حتى يصبح قادرا على ذلك. ما رأيك بذلك؟
ولكن لأكون عادلة أن هناك أنشطة تعليمية إن تم توظيفها على أسس علمية مع الطفل
ألا يمكن تطبيقها في المنزل، أو في بيئة تكون فيها الأم موجودة معه؟
هناك اختراع واضح لفئات إضافية وتفصيلات كثيرة بالمدارس ليس على مستوى الروضات فقط بل حتى في الإعدادية والثانوية وذلك من أجل أن يستطيع الأهل التفرغ أطول مدة ممكنة وهذا عامل أول يدفعهم للاستثمار في هذه المدارس التي اسمحي لي يا هاجر أن اسميها مدارس سخيفة وفئات سخيفة، ما الذي يعنيه أن أقوم بتدريس منهج والاعتناء بتدريب طفل أقل من ٥ سنوات بالمدرسة وأتركه لساعات هناك؟ هذه أسباب تجارية بحتة، الأفضل برأيي أن يكون في هذه المرحلة مع امه وأبيه وفي بيته ليألف هذه الأماكن ويكوّن علاقة مع المقرّبين عنده ولا يخرج كآلة، أوروبا بسبب هذا النوع من التفكير تنتج آلات ذكية لا أكثر.
وذلك من أجل أن يستطيع الأهل التفرغ أطول مدة ممكنة
أخشى أن نتحول لمجتمع مشابه لليابان في هذا الصدد. فهم أيضا قد تحول الأمر عندهم لمجرد جعل الأهل متفرغين في أسرع وقت ممكن، وسحب مسئولية التربية منهم تماما. الأخطر بالنسبة لي هو أن المدارس أصبحت لا تقبل الأطفال في الروضة إلا إذا كان الطفل قد دخل "بلاي سكول"؛ لأنه -على حد قولهم-، يجب أن يكون قد تعلم الحروف والأرقام بالفعل في مرحلة قبل الروضة. ألا ترى أن هذا سبيل لتقنين مثل هذه المرحلة؟
أعتقد أن مثل هذه الأمور لها غرض ربحي بحت، وما ساعد هذه الأفكار في الرواج والانتشار هي الفئات العاملة، والأسر التي لا تمتلك الوقت الكافي لرعاية الأبناء، ولكن بالنسبة لي أرفض هذه الأفكار تماماً لأنها خطر على الأطفال من الناحية النفسية والصحية والعقلية.
من خبرتك، كيف قد تؤثر سلبا على الأطفال من الناحية النفسية والجسدية والعقلية؟ فالبعض يراها تغذي الطفل، وتساعده على النمو عن طريق التعرض لتجارب مختلفة. أم أن الخطورة تكمن في السن؟
الخطورة بالسن طبعاً يا هاجر؛ فالمناعة بالعمر الذي يأخذون به الأطفال لفصول ما قبل الروضة لا تكون قادرة على التعامل بقوة لحماية الطفل، ومن الناحية النفسية أننا بذلك نحرم الطفل من عملية الاشباع البيئي وبناء الصورة الذاتية عنه وعن الأسرة، وقد تعاملنا مع أطفال جائوا للعيادة باضطرابات هوية وهم لم يتجاوزو سن السادسة، وهذا طبعاً بسبب هذه الفعاليات الخاطئة.
شكرا على مشاركة رأيك. أنا أشعر أنها خطأ حدسا؛ لكن ليس لدي دليل علمي مثلا أو خبرة سابقة. وكنت أناقش الأمر مع بعض الأصدقاء؛ فيكون رأيهم غالبا أن الطفل لن يتعلم الحروف، ويتطور إلا إذا أرسلوه لمثل هذه الحضانات، وأن هذا مهم ليكون متفوقا، ولا يكون متأخرا عن أقرانه. من الجيد أن نسمع رأي مختصين مثلك. ورغم توقعي أن الأمر ضار لكني صُدمت صراحة من مدى خطورة الأمر؛ فقد ذكرت أن هذا قد يؤدي بالطفل لدرجة أن يصيبه مرض نفسي خطير كهذا.
الكارثة هنا يا هاجر أن أولياء الأمور لا يعترفون بالأبحاث وحملات التوعية والتقارير إلا بعد أن يصاب الطفل بضرر، والجهات المختصة باتخاذ القرار لا تتعامل مع هذه الأماكن رغم إدراكها للكوارث التي تحدث للأطفال.
ربما لا نستطيع حاليا إجبار الجهات المختصة على التدخل، ولكن، على الأقل، سأحاول نشر قصص عمن تأذوا من هذه التجربة في محاولة لتوغية أولياء الأمور بخطورة هذه الأماكن.
ما فهمته أن البلاي سكول هي نفسها الحضانة كما نسميها.
عمومًا الربح لا يأتي من فراغ، بل من استغلال حاجة لدى الناس وتوفيرها لهم بمقابل، وفي العائلات العاملة أعتقد أن مثل هذه المنشآت تكون البديل الأخف والأفضل للطفل حتى لا يفقد مهارات التفاعل والتواصل الإجتماعي، البدائل الأخرى ستشمل إما مربية أو ترك الأطفال مع الخادمة وإلصاقهم بالأجهزة، وكلها خيارات أسوء لذلك تلجأ هذه العائلات للحضانة.
وبمراقبة الأطفال الذين ولدوا أو عاشوا سنينهم الأولى فترة كورونا والإغلاق، سنجدهم أكثر ارتباطًا بالأجهزة وأقل تفاعلًا مع الناس وانغلاقاً على أنفسهم.
ما أراه هنا أن الحضانة قد توفر حاجة لبعض العائلات ولكن الخطأ أن تصبح فرضًا وضرورة لمن لا يحتاجها.
البدائل الأخرى ستشمل إما مربية أو ترك الأطفال مع الخادمة وإلصاقهم بالأجهزة، وكلها خيارات أسوء لذلك تلجأ هذه العائلات للحضانة.
فعلا، هي مفيدة لبعض الحالات؛ لأنها تقي الطفل الذي سيترك وحده من أن يتأخر تطوره العقلي والنفسي والاجتماعي بسبب عدم وجود من يعلمه، ويتعامل معه. وقد رأيت بعض الحالات التي كان لها أثر إيجابي جدا؛ لأن البلاي سكول نفسها كانت تقوم على فكرة التعامل مع الطبيعة، وتعريض الطفل لتجارب غنية قدر الإمكان مثل: جعله يزرع نبتة، أو يجمع صدف من الشاطئ وهكذا.
اليوم باتت كثير من الأسر تؤخر قرار إنجاب طفل ثاني، فكيف سيتعلم الطفل المشاركة والتعامل مع الآخرين باختلافاتهم وهو وحيد؟، فلا يكفي أبدًا أن يقابل الطفل أبناء الأقارب في المناسبات والأعياد.
هذه نقطة جيدة؛ فمن المهم أن يتعامل الطفل مع من هم في سنه أو قرب سنه لينمو اجتماعيا، ويتطور. ولكن، هل هذا هو الحل الأكثر أمانا وفاعلية للطفل؟ فهو في النهاية في مكان بدون أي شخص من أهله، وفي سن قد لا يستطيع التعبير فيها عن أي خطب يحدث له.
التعليقات