يقول الفيلسوف أمبرتو إيكو
لقد تعلمت أشياء كثيرة وأنا أكتب روايتي الأولى: منها أن «الإلهام» كلمة سيئة، وعادة ما يستعملها بعض الكتاب اعتباطاً لكي يلبسوا لبوس الفنانين المحترمين
لذا هل تتفقون مع الفيلسوف، متى ترون بأنه سيء؟
الإلهام سيء في كل حالاته، ما الذي تعنيه أصلاً هذه الكلمة؟ كل فكرة قد تخطر لي قد أدعوها إلهام، هذا باب مفتوح لا يجب الولوج به، لسبب واحد برأيي وهو أنّ الولوج بهكذا أنواع من البيبان سيفتح الأمور في حياتك على وابل من الاختلاطات التي لن تنتهي نهائياً، كل شيء سيصبح مبنياً على الإلهام وبالتالي على أمور غير موثوقة، سوف تضعف أنت شخصياً قيمة ذكاءك وقدرتك على البحث وستعتمد على الإلهام، ستتبلّد أحاسيسك ودماغك الذي ستعجبه فكرة عدم التفكير وانتظار الأفكار المفاجئة التي تحمل هوية إلهام قبل مجيئها حتى وحتى إن كانت أصلاً ليس إلا وليدة عملية عقلية سيئة وجمع لا يمكن أن يكون، حكمة بالية أو إعادة تدوير لمعلومات سابقة، سابقاً كان الإنسان القديم يسكّن خواطره وأجوبته ويتعامل مع الكون بمسألة الأسطورة، الإنسان الحديث هذه الأيام أذكى على أنّهُ وجد أداةً أخرى تمكّنه من التعامل مع العالم بدون تفكير أيضاً، وهذه مشكلة إنسانية لا يجب أن نتورّط بها، علينا أن نعطي الدماغ وحواسنا حقّهم بأنّ يكونوا مدخلاتنا ومخرجاتنا الوحيدة، بدون الاعتماد على الخواطر والالهامات الغير واعية والغير مصنوعة.
لذا هل تتفقون مع الفيلسوف، متى ترون بأنه سيء؟
تلك المرة الأولى التي أقرأ فيها رأي أمبرتو إيكو في الإلهام. ولعله لا يقصد ان الإلهام سيئ بذاته ولكن يعني أنه أصبح سيئاً لأنً صغار الكتاب أو أشباه الكتاب ابتذلوه وجعلوا من الكلمة مثار سخرية و تندر. بالضبط كما يحصل مع أي لفظة " فنان" فقد تقال على كل من هب و دب ولا يقدم فناً جديراً بأن يشاهد فنكره الفن و ينحط قدره لأنً من أصبحوا فنانين ليسوا أهلاً للفن أصلاً. وكلمة الإلهام حتى في الثقافات الأوربية كلمة لها اعتبارها من لدن أفلاطون و رأيه في الشعراء أنها ملهمون من قبل الآلهة ( Divine Madness) ثم مروراً بكلمة عبقرية و التي تشتق من وادي عبقر حيث الجن يلهمون الشعراء والتي تقابلها فيالعالم الغربي أيضا و عند اللاتين و اليونان كلمة Genius وهي الروح المصاحبة أو الملهمة. فكل هاتيك المعاني كانت معاني إيجابية للكلمة توحي أن صاحبها له مصدر علوي للمعرفة.
ولكن يعني أنه أصبح سيئاً لأنً صغار الكتاب أو أشباه الكتاب ابتذلوه وجعلوا من الكلمة مثار سخرية و تندر.
لربما هو رأى أن هنالك كتاب تفضل الالهام على بذل مجهود لإنهاء المهمة الخاصة بهم، مثلا قد يماطل الكاتب في كتابة روايته بحجة أنه افتقد الالهام، فبدلا هنا أن يلزم نفسه من كتابة الرويات وفق إطار زمني محدد، قام بالمماطلة في كتابة روايته
أختلف معه لاختلاف مفهوم الإلهام لدى كل منا. فلا يمكن تعميم الأمر لأن حتى لو كان هناك مفهوم عام للإلهام لكن هناك اختلاف لطرقه وطرق كسبه ووسائله وكيفية التعامل معه ودرجة الإيمان به وهكذا. كل تلك العوامل تلعب دوراً مهما في مفهوم الإلهام وماهيته وإلى أين يتجه وكيف يتجه وكيف يمكن استغلاله.
ورغم أن المفهوم أصبح كالزينة لدى البعض لكن مازال لأصله جمالية مختلفة ورغم التشويه والتسويق له بأسلوب سيء إلا أن الإلهام كان ومازال لسبب الخفي للكثير من الإبداعات والقصص.
لكن مازال لأصله جمالية مختلفة ورغم التشويه والتسويق له بأسلوب سيء إلا أن الإلهام كان ومازال لسبب الخفي للكثير من الإبداعات والقصص.
وما فائدة الالهام إن لم يكن هناك جهد مبذول؟ الالهام لا يغني ولا يسمن جوع طالما الشخص لم يجبر نفسه على أداء تنفيذ مهمته مثلا؟
لا يسمن ولا يغني من جوع للأشخاص الذين يأخذونه ككليشيه أي أنه كلمة أو مقولة ينشرونها دون إدراك فقط لأجل إيصال فكرة العمق دون عمق. أي للزينة فقط.
وبخصوص الجهد المبذول، ما أقوله لا يعني أبداً أن الإلهام سيكون العصا السحرية التي ستعمل بدلاً منك أو سيكون. الأمر يتوقف على أنها الشرارة لبدء جهدك وبذله. ويمكننا التفريق بين عمل مفوع بالإلهام والشغف وعمل مدفوع بلا شيء سوا أنه عمل. أليس كذلك؟
استغربت بعض الشيء من رفض المعظم لمفهوم الإلهام، ولجماله، ودوره في توجيه البشرية جمعاء في لحظات فارقة. ثم، أدركت أنه كما قلتي من الواضح أننا لا نتفق على تعريف واحد للإلهام، وما دوره بالضبط.
فلنضرب مثالا:
فنان يريد رسم عمل جديد، لديه تصور بدائي بعض الشيء، ثم يقول لنفسه "أحتاج للإلهام". ماذا يفعل؟ يقرر الخروج لتمشية طويلة في محيط منزله، أو يتصفح صفحات فنانين آخرين، حتى أولئك الذين يستخدمون أدوات مختلفة عنه. يرى شيئا، يحس إحساسا، يدفعه هذا الإحساس لتجربة شيء معين، أو نقل صورة معينة. جاءه الإلهام الذي يدفعه لرسم لوحته بصورة معينة.
أولا: الفنان خبير بالرسم، وادواته، وتقنياته، وما إلى ذلك. ثانيا: البحث عن الإلهام عملية تفاعلية حركية. ثالثا: الإلهام داعم قوي للموهبة والخبرة، ولا يغني عنها. هذه هي النقاط التي أرانا نختلف فيها.
بالفعل مفهوم الإلهام وماهيته وطريقة استخدامه تختلف من شخص لآخر
وأيضا الاستفادة من الإلهام أو الحصول عليه ليس بالطريقة المنهجية جداً والمخطط لها تماما فقط تجد البعض يعرف أو يعي ما يلهمه في هب باتجاهه لكنه لا يخطط تماما للأمر لأن الأمر متروك تماما لتفاعلاته الباطنية التي تأتي بتلقائية.
لكن في كثير من الأحيان يأتي الإلهام في أوقات استثنائية وغريبة جداً وهذا يجعل الإبداع أكثر جنوناً.
المشكلة ان من يرفضون القول بوجود الإلهام لا يمكنهم رفض وجود أحلام تنبؤية تدل على ما سيحدث في المستقبل. قد يحدث معنا ويحصل كثير أن يتحقق ما نراه في المنام فكيف حصلت تلك الظاهرة؟! ليس معنى أننا لا نملك تفسيراً للإلهام أنه ليس له وجود. فعدم معرفة سبب الوجود لا ينفي الوجود ذاته وهذا واضح بديهي فيما أعتقد. السبب في ذلك أننا بشر فينا مكون روحي علوي قد يتسقبل آثار أو يتفاعل بطرق غير مفهومة لنا مع ما قد نحسه أو نشعر به ولا نفقهه أو نستطيع تفسيره.
أتفق معك، لقد حاولت تجنب الدخول في الجانب الديني من الإلهام؛ لكوني لا أعرف معتقدات الشخص الذي أناقشه. لكن لو نظرت من جانب الدين الإسلامي، ستجد أن الكون أوسع بكثير من البشر، ومخلوقات الله التي تستطيع التفاعل مع البشر، ولا يستطيع البشر التفاعل معها كثيرة جدا.
قد لا يكون ما طرحته فيه من الدين الشيئ الكبير. لأنًهم هنالك في الغرب يدرسون ظواهر غريبة و يعترفون بها حتى أنهم يدرسونها كانها علماً وهناك علم النفس الماورائي ( parapsychology). و هم مثلاً لا يملكون إلا أن يقروا بوجود تلك الأحلام التنبؤية على الرغم من أنها تعارض ما يعتقدون فيه. و تجربة مثل تجربة الاقتراب من الموت وحكايتها التي تملأ الدنيا فيها الكثير و الكثير من أسرار الانسان.
لولا إلهام نيوتن، ما اُكتشف قانون الجاذبية.
ولو لم يقم الرسام بالإلهام أمام الطبيعة ما استوحى فكرة الرسم والإبداع.
يعني الإلهام ليس سيئاً، وإنما الطريقة التي نُظهرها لنعبر عن إلهامنا قد تبدو في اتجاهها الخاطئ.
فالفيلسوف كلامه صحيح من منظوره، لأنه عبَّر عن حاله في ذاك الوقت، فما رأيك بمنظور الشخص في المجال الفلسفي؟
لولا إلهام نيوتن، ما اُكتشف قانون الجاذبية.
لا أعتقد أن ما حصل مع نيوتن - إن كان قد حصل حقاً- يمكن أن يًسمى ب"بالإلهام" لأن ما نفهمه من الإلهام أن يكون أحدنا متوفزاً بصدد موضوع ما يحبثه أو يفكر فيه وهو لا يدري فيه شيئاً ثم فجأة تواتيه فكرة عبقرية مثيرة صحيحة فتكون تلك بمثابة إلهام له. أما ما جري مع نيوتن فيمكن تسميته " بالحدس Intuition" وهو مواتة الفكرة الغريبة المثيرة الصحيحة في وقت لا نكون فيه نفكر بموضوع تلك الفكرة. تطرأ الفكرة في بالنا بدون تكلف منا وطلب لها.
ألم يكن حادث السقوط قد ألهم نيوتن على اكتشاف قانون الجذب الشهير. وقد يعتبر هذا الحادث بمثابة "التجربة الشخصية" التي أدت إلى تطوير فكرة جديدة.
ألم يكن حادث السقوط قد ألهم نيوتن وأدى إلى اكتشاف قانون الجذب.
هل الإلهام تختلف زواياه باختلاف منظور الشخص؟
عندما سقطت التفاحة فوق نيوتن فإنه على الفور حدس أنها كانت يمكن أن تسقط لأعلى فلمً لم تفعل؟!! هنا واتته فكرة غيبة مثيرة لم يكن يعرف لها تفسيراً في البداية إلا أنها صحيحة حتى راح و أعمل عقله فيما بعد فيها فاكتشف قوانين الجاذبية. أما الألهام فموضوعه أكبر في الأدب و و الشعر و الروايات وخاصة حينما يجلس المبدع ليبدع فينزل عليه الإلهام فكأنما هو يستدعيه بظروف معينة أما الحدس فياتي فجأة وبغير اعداد.
هل هو مفهوم واحد للإلهام، سألتُ مسبقاً ب " هل الإلهام تختلف زواياه باختلاف منظور الشخص؟" أردت بهذا بأن مفهومه يختلف من علم لآخر، الإلهام في علم النَّفس غير عن علوم اللغة العربية وغيرها من العلوم، فهو الحالة النفسية التي يشعر فيها الفرد بحماسة وحيوية وإثارة لإتمام مهمة معينة أو لتحقيق هدف معين. قد يحدث الإلهام من خلال الأشياء المختلفة مثل الأحداث، الأشخاص، الكتب، الأفلام، وغيرها. وقد يأتي الإلهام في اللحظات غير المتوقعة، ويمكن أن يتحول إلى حافز لتحقيق النجاح في الحياة.
وكل زاوية من زوايا الإلهام تعود لمنظور شخصه.
لا يوجد ما يمكن ان نسميه بالالهاماً .
يتفق كل الكتاب الكبار على ان الالهام مجرد كذبة لا معنى لها، لا احد منهم انتظر الالهام لوما حتى اولائك الذين تحدثوا عنه، قالوها لشاعرية ما يستلزمعا بريق النص لا اكثر ، لكن الكل يعلم انها مجرد تلاعب رومنسي بالالفاظ ولن يقدر عامي عادي ان يفهم هذا ببساطة لذلك لابأس من ان يمشيه الكاتب على عماه ويتحدث له عن الالهام.
لكن الاهام الذي يعتقد به الكتاب والفلاسفة والفنانون هي لحظة الالمتلاء الناتجة عن تشرب قدر كاف من الافكار ، يقول احد الكتاب انا اكتب صفحتين واقرأ طول اليوم ... اي ان تجربة الكتابة هي مجرد انعكاس للمخرون الذي يتعب في جمعه والتشبع به، الذي يصل به في مرحلة ما الى تكوين فكرة او رؤية او احساس خاص به فيبدو ذلك وكأنه الهام .
نيوتن عندما اكتشف الجاذبية قيل ان التفاحة الهمته، لكن هل كانت التفاحة لتلهم شخص لا يعرف شي عن قوانين الفيزياء؟ طبعا لا..فالتفاحة سقطت على رأس البشرية مئات السنوات ولم ينتبه للجاذبية احد.
الفكرة هنا هي ان الالهام هو الخطوة الاخيرة التي تسبق تاريخ طويل من الاجتهاد وتنمية الذات في مجال ما.
لقد كان الإلهام منقذي في الكثير من الأحيان وعن تجربة يجب أن نمتثل لهذا الجزء غير المحسوس من ذاتنا. نحن نحاول الهروب من الإلهام لأنه لا يخضغ لقواعد المنطق الأساسية بل في الغالب على عاطفة جامحة وغير مبررة. ولكن الإلهام هو الذي أوصل الكثير من الفنانين والرسامين والأدباء للنجومية. أجد حتى أن الذين يخضعون للإلهام عادة أشخاص مبدعين ويفكرون خارج الصندوق إذ أنهم لا يخضعون للطريقة النمطية للاختيار بل يفضلون غير المألوف.
قبل أن نتفق أو نتخلف مع الفيلسوف، علينا أولاً أن نحدد ما هو الإلهام؟
فإن كان المقصود به هو الوحي الإلهي للإنسان، فأنا كمسلم أوقن بأنه انقطع مع انقطاع الوحي بعد وفاة آخر الأنبياء سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وبالتالي لا إلهام الآن.
وأما إن كان المقصود به هو الفكرة التي تطرأ فجأة على الإنسان دون تدخل خارجي، فهذا الإلهام إذا لا يأتي محض الصدفة، ولا من دون سابق خبرة أو عمل طويل على الأمر.
وهو ليس سيئاً ولا جيداً بذاته، وإنما هو نتاج تركيبة معقدة من محاور شخصية الفرد وخبراته وعلمه وفكره وأخلاقه وظروفه الحياتية، فإن صلحت هذه العوامل جاء الإلهام بكل خير، وإن فسدت جاء الإلهام بكل شر.
الإلهام غطاء الكتاب ذوي النوايا الخبيثة، الذين يودون تغليف أفكارهم الخارجة عن تقاليد المجتمع والتي ستثير جدلًا واسعًا بكلمة الإلهام والفن وغيره، وكأن الإلهام له تصريح خاص بزعزعة الأخلاق والقيم التي تربينا عليها
ورغم ذلك كله إلا أن الإلهام بمعناه الأصلي لا يمكن أن يكون لفظًا سيئًا، ولا يمكن أن نتخذه علامة على سوء المنتج الأدبي، فكلنا نحتاج الإلهام حتى نكتب محتوى إبداعي ووظيفي، فمثلًا كان الدكتور أحمد خالد توفيق يقول أن في جيبه مفكرة لا تفارقه، حتى يتمكن من كتابة كل ما يراه من مواقف في يومه لعلها تلهمه لكتابة رواية وتكون خيطًا ملهمًا ... وكذلك كان نجيب محفوظ يبحث طيلة اليوم بين المقاهي وفي الجرائد عن كلمة تقفز إلى مسامعه لعلها تكون إلهامًا له حتى يكتب عملًا أدبيًا متقنًا، فحتى رواية "اللص والكلاب" كانت في الأساس مستوحاة من قصة حقيقية قرأها نجيب محفوظ في صفحة الحوادث فنقلها لنا في صيغة رواية .. وبذلك يكون الإلهام لغة المفكرين الأصليين والأدباء الحقيقيين لا المزيفين ولا المدعين.
الإلهام قديكون سيئا حينما يحرمك من الحياة الإجتماعية الطبيعية، إذ تركن دائما إلى زاوية معينة تفجر الهامك المتجدد دون انتباه للآخر او حتى لنفسك، بل تهمل نفسك، مظهرك وأحيانا حتى اكلك ونومك، فهذا الإلهام يجعلك تقضي ليال طوال دون نوم، تهمل أسرتك وحاجياتك اليومية، علينا أن نعتدل في كل شيء حتى في الالهام رغم ان هذا الأخير ليس بيدنا، لكن الافراط فيه سيحرمك من حياة طبيعية عادية.
تعتمد الإجابة على كيفية استخدام الكلمة "الإلهام" والسياق الذي تستخدم فيه. قد يكون الإلهام مفهومًا إيجابيًا في بعض الحالات، حيث يعبر عن الشعور بالحماس والتحفيز لتحقيق شيء ما. ولكن يمكن استخدام الكلمة بطريقة سلبية أيضًا، حيث يمكن استخدامها لتبرير الإهمال أو التسويف في عمل ما.
بوجة نظري يجب تجنب استخدام كلمات سلبية ولا تناسب الواقع أو الحقيقة بطريقة عامة. وفي حالة استخدام كلمة "الإلهام" بشكل سلبي، فقد يكون من الأفضل البحث عن كلمات أخرى تعبر عن المعنى الذي تريده بشكل أكثر دقة وصحة، كالتحفيز أو الدافع أو الإيجابية، وغيرها من الكلمات.
التعليقات