كيف تنظر للكاتب الذي يبالغ في تقدير نفسه والتحدث عن ذاته؟
وهل قد تؤدي نرجسية الكاتب إلى إقلاعك عن القراءة له؟ وما مدى اهتمامك بشخصية الكاتب الذي تقرأ له؟
لماذا عليك ان تقلع عن قراءته اصلا؟ احسن طريقة لفهم شخصية النرجسي هي القراءة له والاستماع لصوته الخفي من خلال الكتابة، وهس الطريقة التي قد تكون الوحيدة للتعلم عن النرجسي وعن طريقة تفكيره دون ان تقدم اي تضحيات واقعية او تتعرض للأذى منه ... النرجسي في علم النفس انواع واطياف عديدة ومعقدة ولا يمكن فهمها بشكل سهل ومباشر، وعلى الاغلب النرجسي نفسه لا يعرق بأنه نرجسي، لان اغلب الاشخاص المشخصين بهذا المرض يمارسونه بشكل لا واعي، ناهيك عن ان الكل نرجسي بدرجات فحتى الانسان المتعاطف الذي هو في علم النفس مقابل او معاكس تام للنرجسي هو في داخله نسبة ما من النرجسية فنجده متعاطف بنسبة 80% مثلا، ونرجسي بنسبة 20%. كذا النرجسي يقد يكون نرجسي بنسبة70%او80 %ومتعاطف بنسبة30 او20%
لذلك يمكن للقراءة من فكر النرجسي مباشرة ان تكون احسن تجربة بتكلفة شبه منعدمة للاستفادة منه والتعلم عن كيفية التعامل مع نوعه في المستقبل دون خسائر.
أختلف معكِ في هذا التناول يا خلود. انا أومن أن الكتابة بشكل عام، والنصوص اللغوية بشكل خاص، تمثّل كائنًا حيًّا بعيدًا عن كاتبه، على الرغم من أن بينهما صلة لا تنقطع.
ما أعنيه في هذا الصدد هو ما تتناوله البلاغة المعاصرة بالتفكيك والنقد، حيث أنها ترى أن النص اللغوي كمفهوم هو نص معزول عن كاتبه بقدر ما هو متصل به، وبالتالي لا يمكننا العمل على الإطلاق على عزل كاتبه عنه بشكل كامل. لكن عندما نضعه أمام أعيننا للقراءة، فإن المحتوى الفنّي هنا ليس له أدنى علاقة بكاتبه أو بشخصية كاتبه بمعنًى أصح.
ما أعنيه بالنرجسي هنا يا خلود هو الأديب الذي يحقر من زملاء مهنته بطرقٍ شتى، كالتنمر والسخرية، أو تناول رواية لأحد الروائيين ووصفه بأنه لا يجيد الكتابة وأشياء من هذا القبيل. قد تكون نرجسية الكاتب سبب يجعلنا نقرأ له بسبب فضولنا نحو هذه الحالة التي قلما تتكرر في الكتاب، ولكن حين يكون الشخص يعبر عن حقيقته بالتسفيه وأحياناً بألفاظ خادشة فهو بالنسبة لي لا يستحق أن نقرأ له، لأنه ببساطة يكتب الأدب دون أن يكون عنده أدب.
علينا ان نضع في الاعتبار ان الادب ايضا ككل انواع الفنون الحديثة تعرض للتسفيه وانتقلنا مؤخرا الى انواع ادب جديدة ومتطرفة في بعض الاحيان فبعد ادب العبث، وصلنا الى ادب البوب والادب الهابط الذي لا يهتم بقيمة ورسالة الادب في حد ذاته بقدر ما يهتم بالمنافسة على الالقاب والجوائر والكم، وفي ظل تسليع الادب وجد الكثيرون ظالتهم في الكتابة كنوع من الاشباع النرجسي ولاصحاب المستويات الرديئة والافكار المتهاوية، فإلى زمن غير بعيد كان الادب بخير عندما كانت دور النشر محدودة وتنشر اعمال مختارة بعناية وبدون مقابل مادي ، لكن الان بعدما اصبحت دور النشر بالمئات وأصبح النشر عملا تجاريا يمكن للكاتب شراء رقم دولي لعمله و نشر ما يكتبه بعض النظر عن عمقه وقيمته بماله الحر، أصبح من هب ودب يسمى نفسه اديبا وشاعرا وكاتبا بغير وجه حق.
بحسب سيجموند فرويد ومن جاء بعده، كلنا لدينا مساحات معينة من سمات النرجسية، وتعتبر مرحلة نمو طبيعية، خاصةً في فترة المراهقة وما بعدها، وفي ظل التفريق بين النرجسية الصحية والمرضية يكمن الفرق في تعاملي مع الأشخاص المصابين بهذا الأمر والكتّاب أيضاً، في الكتابة تعلو الذات على المواضيع ولذلك قد تعلو أيضاً على البشر والمحيط، للأمانة لا أُمانع نهائياً بأن أقرأ لأي شخص نرجسي يعشق ذاته ويعلو بها، لإنني أشعر بأنّ الكتابة وبالكتابة بالذات مواضيع الكاتب تصبح شخصية أكثر ومهمة أكثر في ظل هذا الأمر، لإنّهُ يحاول أن يُبرز كل ما في الموضوع ذاته، ليتفوق معنى وكتابة، وهذا ما يُريده أي قارئ بالضبط برأيي الشخصي.
يقول أحد الروائيين الذين احترمهم:
(لا يمكن أن نثق بالكاتب إلا حين يثق أن باستطاعته أن يجئ بما لم يأتِ به الأوائل)
لا أختلف مع ذلك طالما يحدث في إطار الثقة بالنفس والرغبة في التفوق عليها وإخراج منتج أدبي أو فكري غير مسبوق.
ولكن ببن الثقة والغرور شعره، أحياناً يصل الأمر لما هو أبعد من ذلك فيتحول الأديب الواثق من نفسه إلى شخص لا يرى إلا نفسه، ويتحول لممارسة دور الأستاذ على غيره من الأدباء..وهذا ما لا أفضله أبداً في الكاتب.
(لا يمكن أن نثق بالكاتب إلا حين يثق أن باستطاعته أن يجئ بما لم يأتِ به الأوائل)
رُبما هذا هو المطلب الإنساني كلّه من الفنون، حيث أنّني أعتقد أنّ محمود درويش وصف هذه الحالة بشكل أكثر براعة وقدرة على اختزال القضيّة برمّتها في قصيدته تُنسى كأنّك لم تكن:
ربما نسي الأوائل وصف شيء ما لاوقظ فيه عاطفة وحسّاً.
الكاتب النرجسى الذى تعلو فيه الأنا فى كتاباته رسالة واضحة , هو يريد أن يشعر غيره بالدونية وذلك شئ لا يحبه أى قارئ , فببساطة القارئ يحب أن يشعر أن القارئ قريب منه وإذا استشعر القارئ عكس ذلك فإنه سيعزف تماماً عن القراءة فى نتاجه الأدبى .
في هذا يقول الأديب أشرف الخمايسي عن الأديب خيري شلبي : (أن سبب نجاحه هو أنه بدلاً من أن يجلس قبالة القارئ أجلس القارئ بجواره، فلم يتصنع أو يتباهى، وكان بسيطاً إلى حد عميق)
من العجيب أن الأديب أشرف الخمايسي نفسه يطلق على نفسه (إله السرد) وينتقد معظم أدباء جيله وكذلك ينتقد قامات الأدب العربي ومن ضمنهم نجيب محفوظ الذي قال فيه:
(نجيب محفوظ ليس روائي جيد ولكنه بنَّاء ماهر)
التعليقات