نسمع الكثير من القصص عن العلاقات المختلفة، وعن العلاقات السامة، والألم الذي يقع فيه الكثير من الأشخاص بسبب طلاقهم أو فشل علاقتهم بشخص آخر وفي ظل هذا كيف لنا أن نفرق بين التعلق المرضي والحب الحقيقي والطبيعي؟
كيف نفرق بين التعلق والحب؟
بين التعلق والحب بونٌ شاسع، ولا يمكن للتعلق أن يكون حبا بل الضد تماما، لأن أغلب التعلقات تنتهي بالكره الشديد والاذى للطرفين.
أما الحب فهو أنقى من أن يشتمل على الاذى والكره، وقد يعترض الطرفان مشاكل وسوء فهم لكن يمكن تلافيها وتجاوزها بالود والرحمة والاحترام.
الفرق واضح لكن البعض يضحكون على أنفسهم ويخفون ضعفهم خلف مفاهيم مثل الحب والتضحية والوفاء.
لكن كل ذلك غير صحيح لأن التعلق واضح جدا، وآثاره واضحة.
الكثير من السيناريوهات التي نراها يا دليلة، تنبئ أن معظم العلاقات ليس فيها أي نوع من الحب رغم اندراجها تحته، فما ذكرتيه هي أمثلة نراها بشكل متكرر ، ولكن كيف يمكن للأشخاص الذين يقعون في مثل هذه الأمور التفريق، أعني أنه يكون واضح لنا من بعيد ولكن هؤلاء قد يحسبون أنهم عاشوا قصص حب تراجيدية وملحمية، في حين أنهم لم يقعوا في الحب بالدرجة الأولى
سؤال مهم حقًا وقد راودني كثيرًا ورأيت إجابة مقنعة بالنسبة لي عليه في أحد الصفحات المهتمة بالصحة النفسية والتي يدريها أطباء نفسيون
أول نقطة لفتت انتباهي وقد جربتها شخصيًا في مختلف أنواع العلاقات أن العلاقات المبنية على التعلق تمر في الغالب بدورات قاسية من اللحظات الجيدة والسيئة بمعنى أن وقت الحب يكون شديدًا وكذلك وقت الغضب وفي الغالب تنقلب الأمور بسرعة بسبب عدم وجود حب متزن أما العلاقات الصحية فهي تمر بمراحل عادي من التأجج والفتور والذان يكونان معتدان ومتوقعان أيضًا.
في العلاقات المبنية على التعلق فحسب لا يكون هنالك تفاهم كبير بين الطرفين بل أن المحادثات المهمة يتم تجنبها دائمًا ويخشى الفرد أن يقول(وأحيانًا أن يسمع) جملًا مثل: "علينا أن نتحدث" أو "علينا مناقشة هذه النقطة" أما العلاقات الصحية ففيها المحادثات المهمة من الأولويات التي يتم النظر إليها وضمان أن يكون الطرفان دائمًا في حالة راضية.
لا داعي لقول أيضًا أن العلاقات المبنية على التعلق تبدو كأنها إدمان مرضي لا يمكنك الفرار منه حتى لو أردت المحاولة أما العلاقات المبنية على الود والحب فهي تشعرك دائمًا أنها اختيار يمكنك أن ترحل منه متى تشاء لكنك لا تريد ذلك وتتدخل عوامل أخرى مثل الفخر بالشريك(أو الصديق) فيها.
ولا يمكننا أن ننسى أيضًا أن العلاقات التعلقية مبنية أساسًا على التعلق أي الانجذاب اللحظي والكيمياء المشتركة ومتى ما حدث لها شيئ أو اتضح شيئ في الطريق تنقلب العلاقة إلى جحيم أما العلاقات المبنية على الحب والود فهي تبدأ بالانجذاب والفضول الذي يبنى مع الوقت ويترك مساحة لمفاهيم أخرى مثل التفاهم والود والعشرة للتدخل الأمر.
تتحدثين عن أكثر الأشياء انتشاراً فيما يخص الشعور يا زينة، فاليوم ومع انتشار السوشيال ميديا وتوسع رقعة التعارف لكل شخص ليتاح له الدردشة مع أي شخص في أي وقت..انتشرت علاقات الحب بأنواعها، أو لنكون أكثر دقة، "نلك العلاقات التي يدعي أصحابها أنهم محبون" ولعلنا لن نتمكن من تشخيص كل حالة على أنها حب أو تعلق مرضي لأن الحالات متشابهة كثيراً، فحتى الذي يتعلق يلعب دور المحب من خلال كلماته وأفعاله حتى يقتنع أنه بالفعل ويحب، وهذا ليس صحيح.
لعل الفرق الجوهري بين التعلق المرضي والحب الحقيقي يكمن في "سرعة النسيان" ففي حالة ما إن تعلق شخص بشخص آخر سينساه إن وجد شخص يؤدي نفس الدور وهذا لأن التعلق يأتي من التعود، فعندما نتعود على مراسلة أحدهم والدردشة معه والشكوى له والحديث معه عن تفاصيلنا وونجاحتنا وإخفاقاتنا مهما كانت صغيرة يؤدي ذلك إلى تعلقنا بالشخص، وقد يتطور ذلك التعلق ليكون مضرا فإذا شغل هذا الشخص شاغل أصابنا الحزن والضيق وربما الغضب. لذا إن رحل من نتعلق به..سنحزن بلا شك ولكن لوقت محدود. لذا ينتهي بالنسيان في حالة ما إن تعودنا على عدم وجوده، أو تعودنا على شخص آخر يقوم بمكانه.
أما في حالة الحب الحقيقي، فهو لا يخرج من القلب أبداً ولا يتأثر ببعد أو غياب، لذا يستعصي على النسيان، فالحب الحقيقي أكثر اتزاناً وصدقاً لذا يعيش دائماً مع الشخص إن حدث فراق، فلا تخبوا جذوة ذلك الحب في حياته..ولا ينتهي إلا بالموت.
التعلق ليس جزءا من الحب الحقيقي، فالتعلق يدل على خلل عند المتعلق ولا يعني كثرة الحب. فقد تجد شخصا لا يستطيع الابتعاد عن شريكه على الرغم من أنه لا يحسن معاملة هذا الشريك على الإطلاق ولكنه متعلق به لأسباب قد تكون نابعة عن التعود أو التملك أو حب الاهتمام الذي يتلقاه من الشريك. ومن جهة أخرى، قد تجد إنسان يحب شريكه بشدة ويفعل أشياء عظيمة لأجله ولكنه لم يواجه صعوبة بالغة بالابتعاد عنه عندما حصل سبب وجيه. فالمشكلة أننا في مجتمعنا اليوم بتنا نعتبر التعلق ظاهرة طبيعية مصاحبة للحب وهذا خطأ فالحب هو المعاملة الحسنة والدعم والتقبل والاهتمام أما التعلق فهو الخوف المتواصل من الفقدان والشعور أن فقدان هذا الشخص كارثة. فيمكننا أن نحب بحق ولكن دون أن تتوقف حياتنا عند خسارة الطرف الآخر لأي سبب. فمن مؤشرات التعلق هي عدم تمني السعادة للطرف الآخر في حال قرر الابتعاد بينما في حالة الحب الحقيقي يحتفظ الشخص بأفضل النوايا تجاه الطرف الآخر بعد الفراق.
قد يختلط لدينا الكثير التعريف بين المصطلحين، ولكن من خلال التصرفات يمكن ان نعي الفرق، من بينها:
- الحب يجعلك تبحث دائما لإسعاد الأخر وربط دائما سعادتك بما يفرح ذلك الشخص، ولكن التعلق هو اقرب الى شعور بالأنانية في البحث ما يرضينا نحن عن الطرف المقابل.
- التعلق يجعلك تسيطر على الشخص بتصرفاتك، ولكن الحب يشعر الطرف بالحرية والثقة الصادقة بينهم.
- الحب الحقيقي يدوم مطولا ولكن التعلق مرحلي فقط، وسرعان ما يجد الشخص جهة اخرى يشبع فيها رغباته يختفي من حياة الشخص.
سمعت جملة من طبيب نفسي اثق برأيه مضمونها انه قبل الحكم على سبب تعلقنا بشخص ما قد نكون افترقنا عنه قريبًا او من زمن بعيد نحتاج إلى احصاء لعدد العلاقات الطيبة السوية في حياتنا، بالطبع سنتألم إن فقدنا شخص ما حتى وإن لم يكن مناسبًا لنا لا لشيء سوى أنه كان الشخص الوحيد الذي جمعتنا به علاقة طيبة أو مرضية بدرجة لنا، حتى وإن كانت مؤذية.
فشلت في حب، خرجت من علاقة مرضية ستتعافى، ولكن في سبيل تعافيك تحتاج إلى نسبة أكبر من العلاقات السوية الطيبة في حياتك، ربما أصدقاء، ربما اخوة، ربما ابناء، يجمع بينهم كلهم الطيبة والسواء النفسي وتقبلك ودعمك كما انت دون ضغوط دون محاولة تغييرك محوك مهاجمتك رفض لفحوى عقلك وافكارك. ابحث عن من يكون سندًا دعمًا من يكون عونًا على التعافي
لا أرى فارقًا بينهم سوى أن أحدهما يدفعك للأمام والآخر يجعلك في نفس المحطة التي توقف بل أسوأ.
الأول أجمل الغرائز وفطرة فطر اللّه عليها القلوب السوية ، والآخر مرض، مرض ينهش في الروح فيفسدها ويجعلها أسيرة لهذا القيد.
الحب نجاة، ينجيك من مخاوفك .. فزعك .. وينتشلك من عثراتك.
والتعلق يكون بمثابة غرق وانتكاسة لك .
التعليقات