يقول علي بن أبي طالب لوكان الفقر رجلا لقتلته، ونرى اليوم الكثير من الشباب متورطا في المشاكل ومختلف الانحرافات بسبب الفقر والحاجة، لكن هل الفقر مبرر للانحراف؟
هل الفقر مبرر للانحراف؟
لا يمكن اعتبار الفقر مبرر أو مسبب للانحراف، لكنه عامل مساعد بالتأكيد، ففي المجتمعات الفقيرة تكثر الجرائم بأشكالها و السرقات والجنح، وهذا يعود إلى افتقار الإنسان لحاجاته الأساسية، فوفق هرم ماسلو وحتى نصل لمرحلة احترام الذات أو الself esteem يجب أن نلبي الحاجات الغرائزية و نلبي شعور الأمان من ثم نبدأ بتقدير الذات، وحين تفقد الحاجات الأساسية يصبح تلبيتها أولوية ويفعل لأجلها الإنسان ما لا يحمد عقباه
فوفق هرم ماسلو وحتى نصل لمرحلة احترام الذات أو الself esteem
أشرت إلى نقطة مهمة يا زينة، والمؤسف أننا في وطننا العربي مازلنا نكافح لأجل أدنى المتطلبات ومازلنا عالقين في قاع الهرم، فكيف لا تكثر المشاكل والجرائم والآفات الاجتماعية.
ليس مبررا مباشرا لكنه عميل رئيس في الانحراف..
ورغم أننا نرى أغنياء منحرفين من الجانب السلوكي وتعاطي الممنوعات مثلا.. إلا أن انحراف الفقير يدمره ويدمر عائلته معه.. فقد يصل لحد سرقة بعض أغراض البيت أو مصوغات الأم أو الزوجة لإشباع انحرافاته.. في حين الغني سيجد مصاريف انحرافه على الجاهز...
وفعلا الفقر يستحق الشنق والحرق, مرّ ومهلك.. رزقنا الله من واسع فضله !
الفقر ليس مبررا لاي شئ سئ يتم القيام به، لا سرقة ولا اي انحراف معين، الحلال بين والحرام بين.
ولكن العجيب في الامر عندما نجد اشخاصا يدافعون عنه، ما أتذكر في الصيفية كنت اشاهد برامجا معينا واحد اقاربي قال لي طفل صغير سرق ولكن ليس عدلا ان يتم معاقبته لانه فقير ولا يعرف...، تعليقي حول الحادثة كان مخالفا لانني اعتبر من سرق اليوم بيتا غذا يسرق بنكا او اكثر، لابد ان نضع حدا لهذه التصرفات من خلال ادخاله لمجلس التأديبي او مؤسسة اعادة التأهيل، لكن ان نترك كل شئ عادي بحجة انه طفل لا يعرف شيئا فخننا المصيبة.
لا يجب أن نبرر الانحراف بأي شكل من الأشكال، وما أعنيه في هذا الصدد ليس بالمعايير الأخلاقية فقط، وإنما بالمعايير المتعلقة بالجريمة المتفق على أركانها أيضًا. ففي سياق الانجراف الأخلاقي، فأنا لا أستطيع أن أحكم على شخص آخر بمعايير الأخلاقية الخاصة. أما بالنسبة للمعايير الأخلاقية التي يتفق عليها أي قانون إنساني، كالقتل والسرقة مثلًا، فإن ذلك بالتأكيد لا يمكن أن يكون مبررًا على الإطلاق. لكن هنالك العديد من الأدوار المتعلقة بهذا الأمر، والتي يغفلها العديد من الناس، فالمنظومة التي تسمح بوجود شخص بهذه الحالة المادية، يجب أن تكون مسؤولة هي عمّا يفعله من أجل حصوله على قوت يومه. لكن هيهات.
بالطبع الفقر ليس مبرراً بأى شكل من الأشكال للأنحارف والجرائم التى نشاهدها اليوم وفى عصرنا الحالى التى أصبحت فظيعة بشكل مروع، ولكن من المهم بأن نعلم بأن الفقر هو أحد أهم أسباب الأنحراف، وطبقاً لعلم النفس فأن الإنسان حينما يتواجد فى بيئة معينة لفترة من الزمن فأنه يتأثر بالبيئة المحيطة بشكل مباشر على تفكيره وشخصيته وطباعه، وإدراكه للأمور وبالتالى تصرفاته، وأتذكر أنى قد شاهد برنامج وثائقى من قبل على التلفاز حول دراسة طبيب نفسى عن الشر داخل النفس البشرية بخصوص هل نحن نُولد وبداخلنا الشر..؟؟، أم نكتسب الشر من خلال البيئة المحيطة..؟؟، وللأجابة على هذا السؤال فقرر عمل تجربة بأختيار 20 فرد من العامة من الناس، وإعطائهم نقود فى سبيل تنفيذ التجربة لمدة شهور، وكانت التجربة عبارة عن وضع هؤلاء الأشخاص فى مبنى يشبه لحد كبير السجن، ولكنه لم يكن سجن فهو مجرد مبنى عادى، ثم طلب منهم بأن ينقسموا لمجموعتين لتمثيل دور 10 ظباط، و 10 مساجين، ثم أعطى لكل مجموعة أوامر تختص بتمثيل الوظيفة المطلوبة من كل أحد منهم، وكان الطبيب يضع مسجلات للصوت وكاميرات مراقبة من أجل متابعة التجربة وتسجيل جميع الملاحظات.
يقول الطبيب بأنه فى بادئ الأمر كانت الأمور تجرى بشكل عادى وكل فرد فيهم يمارس تمثيله ، ولكن بعد مرور فترة من الزمن أخذت الأمور تتغير تدريجياً حينما بدء الأشخاص المكلفين بدور ظباط السجن بأن يفرضوا المزيد من الإجراءات الصارمة، وفى المقابل بدء الأشخاص المكلفين بدور المساجين يشكلوا نوع من التمرد عليهم مثل إلقاء الطعام على الأرض وغيرها من الأمور الأخرى، ومن خلال هذه التجربة استنتج الطبيب بأن التمثيل لم يعد تمثيل بل تقمص الأشخاص للدور المكلفين به بالرغم أنهم يعلمون جيداً بأنه مجرد تمثيل فقط، وبالتالى فأن البيئة تؤثر بشكل مباشر على الإنسان فى اكتساب العادات السيئة او الإيجابية، ولذلك سنجد الكثير من المجرمين داخل الدولة أصبحوا كذلك لأنه لم يتم توفير البيئة الضرورية التى يحتاجونها فى طفولتهم مثل الأكل والمشرب والمسكن والملبس و الرعاية والأمان من الأب والأم.
لا يمكن ان تكون الحاجة سببا للانحراف او التدمير المجتمعي ونسبة الفقر في العالم كبيرة ومخيفة لو كان القياس بهذا المنطق فإن العالم سيصبح عبارة عن عالم فاشل منحرف.
ان قول الخليفة علي بن ابي طالب رضي الله عنه، فيه تضمين لاهمية العمل وعدم التقاعس او الوقوع فريسة البطالة وبل يجب على كل قادر للعمل ان يسعى له لكي يضمن دخلا وكرامة . فمقياس الرجولة هي العمل .
وبالتاكيد ان فوضى الفراغ هي التي تسبب الانحرافات والانجرار نحو الاعمال الساقطة والمنافية للاخلاق وشيم المجتمع.
لذلك الفقر هو مدعاة لكي يجتهد الانسان ليحسن من حياته بكل ما يمكن ووفق ما أحله الله وحرمه الله.
وينحرف رغما عنه
عفواً ولكن لا أحد ينحرف رغماً عنه، بل هو اختيار، الفقير بيده اختيار مسار حياته إما الإنحراف أو الجد والسعي للكسب الحلال، وإن كانت الحاجة مبرراً للإنحراف فهذا سيفتح الباب أمام تبرير جرائم أخرى غير السرقة، الأمر لا يتعلق بالمثاليات بل سيفتح لنا باب خطير جداً في الستقبل وسيوجد لنا أشخاصاً يبررون حتى الإغتصاب وسيقولون "رغماً عنه " !
بل سيفتح لنا باب خطير جداً في الستقبل وسيوجد لنا أشخاصاً يبررون حتى الإغتصاب وسيقولون "رغماً عنه " !
لا أحد ينحرف رغما عنه، قد تكون هناك ظروف مناسبة للانحراف وحتى مشجعة عليه، لكن في وسط كل ذلك تظهر الفضيلة والصبر على الثبات، ومحاولة الوصول إلى طريق أفضل عدا الانحراف.
حسنًا تقوى كلام جميل وكلنا متفق بأن الفقر لا يبرر انحراف الشخص ولكن ماذا إن وقعنا نحن في نفس الظرف أو الموقف الذي جعل الشخص ينحرف، ألا ترين ردة فعلك ووجهة نظرك ستتغير؟ على سبيل المثال؛ أتخيّل بأنكِ فقيرة جدًا، أمك الآن مريضة على حافة الموت لا سمح الله، وهناك علاج وصفها لها الأطباء وإن لم تحصل عليه في مدة معينة. ستموت. أعلم أنّ الأعمار بيد الله. ولكن بحثتِ أنت على العمل ولكن بلاء فائدة. كل جهودكِ في الحصول على عمل باءت بالفشل. علمًا أنّ الدواء هو السبيل في علاج أمكِ. ألا يمكن أن تلجأين إلى السرقة مثلا من صيديلية لجلب هذا الدواء ومستقبلًا يمكنك اعادة هذا الدواء؟! ربما تذكرت هنا معضلة هاينز. التي تناولتها في مساهمة سابقة. أتعلمين هناك من قال الضرورات تبيح المحظورات! أنت ما رأيك بعد ما كل ما قلته؟
أنا هنا لا أقول أن الفقر لا يؤدي بالشخص إلى الإنحراف، بل أقول أنه لا يبرر له، أي أن الفقر لن يكون مبرراً له امام تلقي العقاب جرّاء سرقته، لأن هذا السارق قد قام بفعل شنيع مقابل أن يستطيع توفير الدواء لأمه أو الطعام لأبنائه أو غيرها، وربما يكون قد أوقع الشخص الذي سرق منه في مشكلة أخرى أو حاجة واضطر ذلك الآخر أيضاً للسرقة وهكذا ندخل في سلسلة من السرقات بحجة الفقر والحاجة .
تخيل أن أقوم بسرقة هاتف من فتاة تسير في الشارع لأبيعه وأعيل عائلتي، ثم أكون سبباً في ضياع هذه الفتاة وانقطاعها في الشارع دون وسيلة للاتصال بأحد أفراد عائلتها لإنقاذها، أو أسرق مبلغاً من طالب جامعي كان يدخره ليتناول وجبة الغداء ولديه يوم دراسة طويل فيقضي يومه جائعاً وعطشاً بسبب فعلي، ثم آتي لأبرر لنفسي بالفقر !
لا يحق لأحد أن يحرم أحداً آخر من حقه أو يعتدي عليه مهما كان مبرره، وإن فعل ذلك مضطراً فعليه أن يقرّ بذنبه ويسعى للتكفير عنه ولا يمضي مرتاح البال بحجة أنه سرق لأنه كان محتاجاً، أصلاً ضميره لن يتركه يفعل !
طبيعة البيئة التي ينشأوا فيها، وعوامل عدم الرضا عن الحياة والنظر إلى قلة ما ورثوه عن أبائهم وما في إيديهم، يهد الحيل، لكني لا أراه أبداً عامل أساسي للإنحراف، وإن كان عامل مهم. هل لو كان مع زميلتك في الصف لعبة جميلة جداً، وأهلك لا يجلبون لكِ الألعاب، ترين هذا مبرر لسرقتها؟ بالطبع لا. قال الله "وهديناه النجدين"، فكما وضع طريق الانحراف وما فيه هلاك للنفس والغير، وضع أيضاً طريق آخر للعمل والكد ولكنه في سبيل طاعته، وماذا لو كان هذا الطريق فيه الكثير من الخير والرزق ورغد العيش فيما بعد؟
لا يوجد أي مبرر للإنحراف في هذه الحياة، لا الفقر ولا غيره، وإلا لأصبحت الدنيا فوضى ووجد كل المجرمين على هذه الأرض تبريرات لأفعالهم واختفت السجون، ربما هناك أسباب تدفعك للإنحراف ولكنها لا تبرر لك الإقدام عليه، هذا الأمر تعلمناه من التوجيهات الربانية في القرآن، فعندما يوسوس لنا الشيطان فنقع في المعصية سنحاسب عليها بكل تأكيد ولن نستطيع التبرير بالقول : لست مخطئاً لأن الشيطان كان هو السبب في إغوائي، أين مقاومتك له إذاً ؟
إن القلم مرفوع عن النائم والطفل غير البالغ وعن المجنون أما دونهم فهم محاسبون .
نحن في هذه الدنيا للإختبار، فالله يمتحننا بالإبتلاء ليعلم كيف سنتعامل معه، فيصبح أمامنا خياران إما اختيار طريق الحق الصعب، أم التوجه نحو طريق الحرام السهل، وهذا بلاء عظيم لا يفوز فيه إلا من ثبّت الله قلبه، لذلك لا ينبغي أن نغفل عن الدعاء بالثبات .
في هذا الصدد سأترك لكم بعض التبريرات المحتملة للإنحرافات ولكم التعليق إذا كنتم ترون أن التبرير لها أمر مشروع :
- شخص يبرر الإغتصاب لأنه لا يستطيع الزواج
- شخص يبرر سرقة مال اليتيم لأنه جائع
- شخص يبرر تعنيف زوجته وأبناءه لأنه عصبي
- شخص يبرر تعذيب زوجته لأنه أُجبِر على الزواج منها
- أم تبرر ضرب أبنائها ضرباً مبرحاً لأنهم غير مهذبين
- شخص يبرر قتله لأحدهم من خلال صدمه بسيارته لأنه كان مخموراً
التعليقات