يقول الكاتب علي الوردي: إن انشغل الناس في المفاضلة بين رجال أحياء كان ذلك دليلًا على حيوية المجتمع، ولا يهتم بالموتى إلا الذي يريد أن يموت!
فهل يعد انشغال المجتمع بأمجاد سابقة وتقدم زال منذ زمن دليلًا على مرض المجتمع؟
بالتأكيد يا زينة. فبغض النظر عن كل ما نراه صائبًا أو خاطئًا، هل من المنطقي أن نترك الحاضر بمختلف عناصره وعوامله وظروفه كي نستمد تعلّمنا من الماضي؟ هل من المعقول أن نمتص انتفاعنا ممّا هو قديم في ظل كوننا مطالبين بمواكبة العصر الحالي بكافة تطوراته المتسارعة التي تسبقنا بآلاف السنين الضوئية؟ بالتأكيد أتفق مع الكاتب علي وردي فيما يتبنّاه، ولا أعني بهذه الموافقة أن نترك الماضي خلف ظهورنا ولا ننظر إليه، وإنما أعني بذلك السلوك الغريب الذي نلتزم به حتى الآن، والذي يتمثّل في رغبتنا في البكاء على أطلال رحلت مع الزمن دون أن نتخذ خطوة واحدة إلى الأمام بجدية.
فهل يعد انشغال المجتمع بأمجاد سابقة وتقدم زال منذ زمن دليلًا على مرض المجتمع؟
أليس وصف المجتمع بالمرض وصف ثقيل يا زينة؟
النظر إلى تاريخ وامجاد الأمم السابقة يعدّ أمرًا مهمًا جدا للاستفادة من نظرياتهم ونظراتهم الحكيمة للحياة.
تجنب الأخطاء التي وقعوا بها وتلافيها، والتحسين مما كان وتطبيق الأفكار التي لم تجد الفرصة والحضن لتنمو وتتحقق.
لكن الانشغال هو بالفعل جهل ولن يثمر إلا تضييع الوقت والجهد والطاقة في الالتفات لزمن لن يعود ولن يقدم ذلك للمجتمع الحالي شيئا.
زينة، هذا ليس بمرض مجتمعي بقدر انه ثقافة اعتادوا عليها. وهذه الثقافة تشكل موروث وتقاليد راسخة في المجتمع ولذا يمكن تحسينها بالشق الذي قاله الوردي انشغال الناس في المفاضلة بين رجال أحياء كان ذلك دليلًا على حيوية المجتمع.
في سباقات المنافسات الانتخابية بين الأحزاب، وعند تقديم البرامج الانتخابية، قد ينجح حزب حين يذكر أمجاده وبطولاته والسابقين من الموتي، ولكنه قد يهزم امام حزب يقدم برنامجا حديثا وعصريا يجذب إليه الناس ويفوز دون ان يعود لارث الماضي.
ي سباقات المنافسات الانتخابية بين الأحزاب، وعند تقديم البرامج الانتخابية، قد ينجح حزب حين يذكر أمجاده وبطولاته والسابقين من الموتي، ولكنه قد يهزم امام حزب يقدم برنامجا حديثا وعصريا يجذب إليه الناس ويفوز دون ان يعود لارث الماضي.
هذا دائمًا ما يحدث، وهو ملحوظ بشكل لافت هنا في الأردن، وأعتقد أن هذا ما يجعلنا عالقين لا نقدر على التقدم.
ذا ليس بمرض مجتمعي بقدر انه ثقافة اعتادوا عليها
قد نختلف بفي الوصف، والذي لا أتبناه كليًا ولكن المشكلة ماثلة، وسؤالي كيف يمكن توعية الناس لينشغل المجتمع في المفاضلة بين الأحياء والاختيار على أساس الكفاءة لا الخطابات العاطفية؟
وسؤالي كيف يمكن توعية الناس لينشغل المجتمع في المفاضلة بين الأحياء والاختيار على أساس الكفاءة لا الخطابات العاطفية؟
حين يسود الوعي الحقيقي بين الناس وحين يميزون بين احتياجاتهم الحقيقية ورغبات المتحدثين الشخصية وحين يكون هناك ثقافة النحن اعلى قيمة من ثقافة الأنا ... هنا يمكننا اختيار الوطن فوق الشخوص مهما كانت عاطفتنا تميل لهم. فالوطن أغلى وأعلى.
فهل يعد انشغال المجتمع بأمجاد سابقة وتقدم زال منذ زمن دليلًا على مرض المجتمع؟
بالطبع لا، أوليست الأخطاء التي تقع فيها الشعوب هي ذاتها التي وقع فيها سابقيهم، أوليست الأحداث التاريخية و السياسية التي حدثت في الماضي تُعاد الآن، فكيف لا يكون للتاريخ و شخصياته أهمية في حياتنا، و دراسة حياتهم و أساليبهم و تحليلها بإمكانه إنقاذنا من أن نرتكب الأخطاء الفادحة أو نكررها؟
آمنت دوماً أن التاريخ يعيد نفسه، والقارئ في التاريخ يعي ذلك تماماً، و كأن الأحداث تمضي في نسق متسّق، وكأننا ندور في دائرة بلا نهاية، لا نصل إلى نقطة النهاية حتى نعيد البدء من جديد بذات الطريقة، لأن سلوكياتنا لا تتغير، و لأننا لا نستفيد من أخطاء السابقين و صوابهم، ولأن بيننا أشخاصاً يعتبرون القراءة في التاريخ رجعية و موت للعقول !
بالتأكيد إن دراسة التاريخ أمر مهم ويمنحنا القدرة على استقراء الواقع واستشراف المستقبل، ولكن الانشغال يختلف عن الدراسة والاتعاظ، فتكرير الأخطاء يدل أن الناس لا يدرسون التاريخ وإنما يتداولونه ويمجدونه ومنحصرون في شخصياته، وهذا الذي يعوق تقدم المجتمعات.
كما أنني أرى أن التاريخ كان يعيد نفسه في فترة معينة، ولكن الآن العصر مختلف جدًا والتقدم مهول خلال مئة سنة في حين كان أبطأ خلال عدة مئات من السنين التي سبقته، ولذا فالمعطيات مختلفة كليًا، وشكل العالم قد تغير، والعولمة شيء لا يمكن الاستانة به أو التكهن بتبعاته، وما ينتج عنه مما يفقدنا جزء من القدرة على التنبؤ من خلال إعادة التاريخ لنفسه
كما أنني أرى أن التاريخ كان يعيد نفسه في فترة معينة، ولكن الآن العصر مختلف جدًا والتقدم مهول خلال مئة سنة في حين كان أبطأ خلال عدة مئات من السنين التي سبقته، ولذا فالمعطيات مختلفة كليًا، وشكل العالم قد تغير، والعولمة شيء لا يمكن الاستانة به أو التكهن بتبعاته، وما ينتج عنه مما يفقدنا جزء من القدرة على التنبؤ من خلال إعادة التاريخ لنفسه
لا أعتقد ذلك، فالدارس للتاريخ من اتجاه سياسي، سيلاحظ كم أن التاريخ ما يزال يكرر نفسه بذات الطريقة، من حيث تكرار سلوكيات الشعوب والأنظمة، وتكرر الأحداث السياسية بذات الطريقة التي تجعلك تعتقد كما لو أن الأمر كحلقة درامية معادة !
ما زال التاريخ يعيد نفسه في بعض المجالات ولكن مع بعض التغيرات الطفيفة، ودراسة التاريخ خير وسيلة لتفادي الوقوع في نفس الأخطاء وكسر الدائرة.
فهل يعد انشغال المجتمع بأمجاد سابقة وتقدم زال منذ زمن دليلًا على مرض المجتمع؟
أعجبني سؤالك حقاً، أعاني كثيراً مع الأشخاص أو المجتمعات التي تعيش علي تقدم ونجاح أجدادهم، ماذا عنك أنت لا يسعني القول سوي بيت سيدنا علي بن أبي طالب " إن الفتى من يقول ها أنا ذا ليسَ الفَتَى مَنْ يقولُ كان أبي"
هل هذا كسل من المجتمع أم عدم معرفة المجتمع لما يميزه حقاً ليفعل به شئ يورث لأحفاده؟!
" إن الفتى من يقول ها أنا ذا ليسَ الفَتَى مَنْ يقولُ كان أبي"
هذا ما عنيته، فالتغني الدائم وغير المنقطع بأمجاد زالت لا يعد دراسة للتاريخ، بل يشير إلى أن المجتمع عالق في الماضي المجيد، الذي لا يشبه الواقع المرير في شيء.
هل هذا كسل من المجتمع أم عدم معرفة المجتمع لما يميزه حقاً ليفعل به شئ يورث لأحفاده؟!
أعتقد أنه إنكار للواقع، وعدم القدرة على العتراف بفظاعة الواقع الحيط بنا رغم أننا جميعًا نعيش فيه.
فهل يعد انشغال المجتمع بأمجاد سابقة وتقدم زال منذ زمن دليلًا على مرض المجتمع؟
لماذا نحكم على المجتمع أنه مريض عزيزتي زينة ربما المصطلح مزعج إلى حد ما , تخليد ذكرى هذه الأمجاد أمر مهم لأن هذه الشخصيات كانت مهمة وأرقام صعبة في المجتمع وذكر محاسنها يعطي للأجيال القادمة دفعة للاحتذاء بهم والسير على خطاهم والماضي هو بوابة الحاضر وجزء من موروثنا الذي يجب الحفاظ عليه
نحن نحبّ أن نسلّط الضوء على الأمجاد السابقة لكن لا أظننا نصل مرحلة التشاغل بالأمر.
كما لا أظن التغنّي بالأمجاد دليل مرض مجتمعي بقدر ما يكون المرض المجتمعي حال المفاضلة والمقارنة وهو ما نوّه الوردي إليه، ففي كتابه مهزلة العقل البشري أشار لذلك بقوله:
لقد اندهشت حين وجدت نزاعاً عنيفاً ينشب بين المسلمين حول علي و عمر -رضي الله عنهما- و كانت الأعصاب متوترة والضغائن منبوشة. وكنت أتحدث مع أحد الأمريكيين حول هذا النزاع الرقيع. فسألني الأمريكي عن علي وعمر: هل هما يتنافسان الآن على رئاسة الحكومة عندكم كما تنافس «ترومين وديوي» عندنا؟ فقلت له: إن علياً وعمرَ كانا يعيشان في الحجاز قبل ألف وأربعمائة سنة، وهذا النزاع الحالي يدور حول أيهما كان أحق بالخلافة!، فضحك الأمريكي من هذا الجواب حتى كاد أن يستلقي على قفاه، وضحكت معه ضحكاً فيه معنى البكاء. وشر البلية ما يضحك!
هذه هي المفاضلة التي يقصدها الوردي.. حين ما يزال الناس يقتتلون على الشخصية الأولى بالخلافة، أو أي عصر هو الذي اكتشف النهضة، أو هل كان الزعيم الفلاني من الجنسية كذا أم من كذا..
هذا النوع العقيم من الحوارات التي تقود لفتن ومشاكل وطائفية وإقليمية ونزاعات سياسية هي ما يتسبب بتأخر التحضّر والتقدّم وتراجع الثقافة لدى المرء.
إن العبارة مأخوذة من كتاب مهزلة العقل البشري، وأعي مقصده منها، ولكن الفكرة العامة لا تختص باقتتال الشيعة والسنة للآن، وإنما التعلق المرضي بأمجاد زالت منذ زمن، لتيرير الواقع المرير، أو لنقل لنواسي أنفسنا.
مشكة السنة والشيعة والتي ركز عليها الكاتب نظرًا لكونه عراقيًا مهتمًا بهذه القضية والتي قد طرحها بشكل أساسي في كتاب وعاظ السلاطين، هي أحد المشاكل العربية الكثيرة ، فما أكثر الناس الذين يتغنون بطارق ابن زياد وفتح الأندلس، وما أكثر من يتغنون بهارون الرشيد وبيت الحكمة، وما أكثر من يتغنون بعمر بن الخطاب، فالمشكلة ليست محصورة، وإنما ركز الكاتب في طرح أو مثال دون آخر.
يبدو أنكِ قد فهمتِ من رأيي ما رغبتِ بأن تفهميه يا زينا، وليس ما أشرتُ إليه أنا بالأصل في رأيي.
لاحظي بأنني قلت بأنّ المفاضلة التي يقصدها الوردي تلك التي تجعل (الناس يقتتلون على الشخصية الأولى بالخلافة، أو أي عصر هو الذي اكتشف النهضة، أو هل كان الزعيم الفلاني من الجنسية كذا أم من كذا) وهذا التعداد في ردّي يعني قيام الناس بمفاضلة الأمور التي لا تغني ولا تسمن من جوع، وإنما الحديث بها قد يكون إثارة لفتنة أو احتقانات وهو ما دفع الوردي لقول (لا يهتم بالموتى إلا الذي يريد أن يموت!) بإشارة إلى أنّ فتح الأمور التي لا إثراء بها ليست إلا مدعاة لفتنة تؤدي في نهاياتها إلى ما لا يحمد عقباه ..
التعليقات