هل نحب الاشخاص لذاتهم أم لصفاتهم؟

وهنا، يسعدني أن أشارك الاقتباس الرائع من جاك دريدا الذي قد يبرز سببًا لعدم إجابته بشكل واضح، حيث قال ذات مرة:

من يستطيع أن يقول نحنُ دون أن يرتعش.

انطلاقًا من هذا المبدأ، نستطيع أن نميّز الخلط المستمر الذي يصيب المنهج التفكيكي لدى دريدا بصدد ما ندعوه الحب، حيث أن النظر إلى من نحب بشكل عقلاني لا يمكن أن يخلو من ارتباك، لأنه ببساطة ناتج عن مجموعة من المقوّمات التي لا يمكن أن نتخطّى أيًّا منها لحساب آخر، ولا يمكننا أن نفصلها عن بعضها البعض، فلا أستطيع أن أطلق حكمًا بأننا نحب شخصًا لذاته فقط، أو لسماته فقط، فلا بد لهذا الاختلال أو الارتباك، أو الارتعاش كما يطلق عليه دريدا، أن يظهر، وأن يكون مفعمًا بالخلط الذي لا يمكننا التخلص منه.

الأمر محير فعلاً كما ذكرتي، و لكنني أعتقد أن الحب متعلق بتقبل عيوب الآخر كما محاسنه ، فربما تقابل شخصاً به كل الصفات الحميدة التي تتمناها و لكن لا يطرح الله له القبول في قلبك، فالحب لا يمنحك أحقية الإختيار، بل يطرق بابك بلا استئذان، و ربما اختار شخصاً لم تتوقع يوماً أن تقع بحبه، و لا يوجد به ما يجبرك على حبه، ربما تحب من هو مختلف عنك تماماً، و يؤسفني أن أرى أشخاصاً يجبرون أنفسهم على حب الطرف الآخر لأنه مثالي و طيب و به كل الصفات الجيدة، و يتوهمون أنهم يحبونه و لكنهم ليسوا كذلك، ستأتي عليهم مرحلة من الزمان و ينفجرون من كل ذلك الضغط عليهم، فكون الشخص جيد لا يعني أن نحبه و لا يعني أن حياتنا معه ستكون أفضل.

إننا نحب أشخاص قليلين جدًا في حياتنا لذاتهم، نحب أولادنا، وأمنا وأبينا، وعندما نقع في حب حقيقي نحب الشخص لذاتهم، وحب الشخص لذاته يعني أننا نحبهم هم بعيويهم ومزاياهم وإن كانوا لا يناسبوننا، ولذا فإن المحب يظل محبًا للشخص ذاته وإن ابتعد عنه بالفراق أو بالموت.

أما حب الصفات فيزول زوال الصفات ونرى كثيرًا من الرجال مثلًا يتزوج امرأة غاية في الجمال ويعتقد أنه يحبها حبًا أبديًا، وما أن يعتاد جمالها، أو يتقدم بها العمر وتفقد شيئًا منه، أو تنجب عدد من الأطفال، يبدأ حبه بالزوال ويبدأ بالبحث عن امرأة أخرى فيخون، لأن الصفات قد تزول أو تتغير فسمة الإنسان التغيير، ولذا فعلينا أن نميز نوع الحب الذي يتولد لدينا تجاه الأشخاص ويتولد تجاهنا من الأشخاص .

وأنا أقرأ سؤالك يا هدى تبادر إلى ذهني، قول صادق الرافعي:

وَ اعلمْ ..أنَّ الحبَّ ليسَ بأنْ يكونَ المحبوبُ بلاْ عيوبْ .. و إنَّماْ الحبُّ أنْ يظلَّ المحبوبَ برغمَ عيوبِهِ ..محبوبْ.

من السهل أن نحب الأشخاص لصفاتهم، لكن أن نحبهم لذواتهم ذلك أمر صعب في الحقيقة.

لأن محبة الشخص لصفاته تتغير مع الوقت، ولأن محبتنا للصفات متغيرة مع الوقت والظروف، وتغير قيمنا في الحياة يمكن أن نقول أن هذا ليس حبا، وإنما ارضاء لغرورنا وحسب.

أما محبة الشخص لذاته فتكمن في تقبله كما هو حتى بعيوبه وسلبياته مهما كانت وهنا تتجلى المحبة الحقيقية.

أي أنّ الحب هو لذات الشخص لا لصفاته.

جاك دريدا هل هو فيلسوف أم حالة جدلية؟ هذا لن يكون مهما بالنسبة لي وخاصة ان دريدا قضىمعظم ما تبقى من حياته المهنية، ولا سيما في الفترة المبكرة منها، بتفكيك عمل الفلاسفة وغيرهم من الكتاب، لإظهار أن معانيهم غير واضحة، وأن نصوصهم غالبا ما تقول أكثر مما يقصدون. ما يهمني الان هو هل نحب هؤلاء الأشخاص لأنهم هم الأشخاص بعينهم وليس غيرهم (من)؟ أم أننا نحبهم كونهم يمتلكون صفات معينة (ماذا)؟

بداية الكمال لله وحده، نحن في غالب الأمور ننحاز لانطباعاتنا الداخلية حول شخص ما، فهل تستمر هذه الانطباعات معنا ام تتبدل. الاجابة الواقعية انها قد تتبدل وقد لا تتبدل ولكن في كلتا الحالتين ومع مرور الوقت وتغير الاساليب واكتساب التجارب مع الشخص نفسه سوف نكتسب خبرة تغنينا عن الاعتماد على الانطباع الاول الذي يقال انه يدوم وقد يكون هذا صحيحا ولكن قد لا يعمل به لاحقا حين يثبت العكس؟

هناك صفات فطرية وهناك صفات مكتسبة مثل ذلك المهارات، الأفضل هو ان نذهب للتحسين وليس التشويه لتلك الصفات لأن الانسان المجتمعي يخالط الكثيرين وبالتالي قد يتأثر بصفة مستجدة في شخص يحبه فيكرهها فيه.

مثال قد يتأثر شخص بظروفه الخاصة، ويتحول من شخص مؤتمن ومشهود له الى شخص يحاكم امام القضاء بتهمة السرقة وخيانة الامانة! قد يكون تأثره بسبب ظروف قاهرة مرت به وهذا ليس مبرر! وكذلك ليس هو مدعاة للحديث عنه هنا. لكن ما اقصده ان الصفة الجديدة للشخص قد تنفرنا منه وقد تكون هي "شعرة معاوية" التي تجبرنا ان نبتعد عنه ونرفض ان نتعامل معه كما السابق.

الملخص ان بعض الصفات الايجابية لدي الاشخاص تجذبنا بقوة لهم، ولكن مجرد ظهور صفة واحدة في اي منهم تجعلنا نبتعد عنه هذا صحيح وبالتالي على الشخص أن يحافظ دائما على صفاته الايجابية ويبتعد عن اي من الصفات التي تؤثر عليه وتشوه بصمته الاجتماعية بين الناس

وحاولت ايجاذ جوابا مثلك ولم اجده، ولكن حقا كلامك جعلني افكر لدقائق ...من هو الحب الذي يدوم طويلا ؟ هل الحب لذات ام لصفات؟

بعد تفكير، وجدت بأننا لو خبرنا احدا لما تحب هذا الشخص بالذات ليس غيره، سيقول لانه يملك من الصفات التي لم اجدها في شخص اخر، لذلك حب الذات او الصفات يأتيان يكملان بعضهما ولا يمكن ان نقول اننا نحب شخصا بعينه هكذا وفقط ...تلقائيا سنجد انفسنا نعدد صفاته المميزة التي جذبتنا اليه..

التساؤل الذي يطرح نفسه هنا إن كنا نحبهم لذاتهم ولأشخاصهم ، فلماذا نترك من نحبهم بحجة أن هناك صفات لم تعجبنا بهم؟! وإن كنا نحبهم لامتلاكهم صفات معينة، فلماذا نشعر في وقت ما بأنهم لا يستحقوننا؟

المشكلة أن الأمر لا يحدث عادة بهذا الشكل يا هدى.

يعني لن أقتنع للحظة أنني أحبّ أمي وأبي لصفاتهما فقط أو لذواتهما فقط.. بل أحبهما لأنهما والداي ولأنّ فيهما من الخير الكثير.

فلو كان صحيحاً أننا سنترك من نحبهم لذاتهم بسبب صفات لم تعجبنا فيهم، أو لشعورنا بأنهم لا يستحقوننا لكان الآباء قد تركوا أبنائهم المصابين بمشاكل ما أو عقوق ما أو خلل ما، ولكان الأبناء قد هجروا آبائهم لصفات سيئة فيهم!!

هذا على صعيد عائلي.. على صعيد عام.. لا يمكننا أن نفصّل أسباب انجرافنا في مشاعرنا تجاه آخرين من باب (مَن، وماذا)!! وإن افترضنا أنهما أحد أسباب الانجراف لك يمكن لـ مَن وماذا أن تجتمعا ما الذي يمنع ذلك؟

قد أنجذب لشخص لأنه هو بعينه ولأنّ فيه من المزايا الكثير.. ما الذي يمنع.

ثم ألا يقال بأنّ المحبّ يرى الجمال في محبوبه حتى وإن كان بسيط؟

بمعنى إن كان السبب أنه هو لأنه هو.. أو لأنه يمتاز فقط بـ... فبمجرد زوال السبب انعدم الانجذاب وهو ما لن أدعوه حينها محبة أبداً..