نتعرض كثيرًا لمواقف مختلفة نحتاج فيها لكي نواسي ونخفف عن أحبائنا، ولا بد وأن لكل شخص ولكل موقف الطريقة الأفضل للمواساة، فكيف تواسون الأشخاص عادة بحيث تكون للمواساة قيمة حقيقية وتأثير على الشخص؟
كيف تواسي الأشخاص عادة؟
للمواساة قيمة حقيقية عندما تكون صادقة ومناسبة لشخصية الشخص وظروفه. و تتمثل في التواجد الحقيقي بجانب الشخص و ذلك بالاستماع بإصغاء دون مقاطعة، مع التحدث بصدق وهدوء لتعزيز الطمأنينة.
الأهم هو أن يشعر الشخص أنك تفهم مشاعره وتدعمه بصدق، مع احترام حالته النفسية واحتياجاته.
التصديق على المشاعر شيء مهم جدا، الشخص المتألم لأي سبب يجب أن يشعر أن احساسه في محله وأن شعوره مستحق وأن وضعه مقدر وموقفه مفهوم، مجرد وصول هذه المشاعر إليه ستخفف عنه كثيرا وستعطيه مساحة والراحة لكي يعبر عن نفسه كما يشاء وقدرما يشاء حتى يرتاح، وللأسف الكثيرون لا يستطيعون تقديم ذلك بحيث يقللون دوما من أهمية المشاعر والمواقف ويتهمون غيرهم بالمبالغة ويتعمدون المقارنة مع حالهم ومشكلاتهم وكأنه سباق على من يتألم أو يعاني أكثر!
عن نفسي لست من النوع الذي يجيد المواساة ولكن البذل والتضحية، يذكرني فعلي بقول شاب تونسي في الجمعية عبر عن الأمر فقال ( لن استطيع مواساتك أن علمت أنه سيتم قتلك ولكن لو احتجت المساعدة فيمكن أن أتلقى الطلقة مكانك)
أنا لا أجيد المواساة ولكن أعرف كيف أستمع جيداً حتى يفرغ الشخص انفعاله بشأن ما يمر به، وأعرف كيف يمكن أن اخصص وقتي وجهدي حتى تنتهي أزمته وكأنها ازمتي ومعاناتي
لن استطيع مواساتك أن علمت أنه سيتم قتلك ولكن لو احتجت المساعدة فيمكن أن أتلقى الطلقة مكانك.
فكرته وصلت ومنطقه عظيم، ولكن لا أفهم لما لا يوجه الطلقة لمن يريد أن يقتل رفيقه فينجو هما الاثنين! أنا حقا لا أحب التضحيات المبالغ بها. ولكن ما علينا بالعودة لفكرة المساهمة فأنت أشرت أنك تجيد الاستماع وتخصيص وقتك وجهدك للآخرين وهذا في حد ذاته يعتبر مواساة بل هو أهم طرقها وأكثرها شيوعا، وإذا أردت لمواساتك أن تكون ذات قيمة أكبر فاسأل الشخص كيف تريدني أن اساعدك؟ أو ماذا علي أن أفعل وأنا بجانبك لأخفف عنك، فلكل شخص ما يوده ويناسبه في حالة المواساة، هناك من يريد شخص يستمع له فقط، وهناك من يحتاج لعناق يطمأنه، وهناك من يحتاج لحديث يزيح عنه قلقه ومخاوفه.
أحاول أن أكون مستمعًا جيدًا حتى لو لم أتفوه بكلمة واحدة.
في العديد من الأحيان، يكون الاستمتاع هو أفضل وسيلة للمواساة، إعطاء الشخص الفرصة للتعبير عن مشاعره دون انقطاع أو محاولة لتقديم حلول سريعة يمكن أن يشعره بالراحة، مع التأكيد على مشاعرهم وإشعارهم بالأمان والطمأنينة.
بالطبع الاستماع هو أهم خطوة في المواساة ولكن لوحده وبدون خطوات أخرى قد يكون غير كافيا أو فعالا، ففي كثير من الأحيان يحتاج الإنسان لمن يطمأنه وليس بمجرد كلمات بل بالحجج والمنطق، ويحتاج كذلك للحلول أو نصائح وليست تلك البديهية أو غير الواقعية أو المجدية، لهذا من الضروري أن يكون الإنسان مفكر ومحاور جيد أيضا إذا إراد مواساة غيره، فمثلا شخص رسب في امتحان لن يكون كافيا للاستماع لحزنه بل من الضروري مساعدته على تقبل الأمر وتحفيزه للدراسة والاجتهاد مجددا.
أعتقد أن المواساة الحقيقية ليست مجرد كلمات تقال أو عبارات محفوظة نلقيها في أذن شخص حزين, إنها فن عميق يتطلب فهمًا صادقًا للحظة ومشاعر الشخص الذي يقف أمامى. أحيانًا تكون المواساة في الصمت، في وجودى الصادق دون ضجيج، في نظرة عين تقول "أنا هنا من أجلك" دون الحاجة إلى شرح طويل. وأحيانًا أخرى، تكون في كلمات بسيطة لكنها صادقة، تخلو من التنميق والتكلف، كلمات تعكس أننى أتفهم ألمه دون أن أحاول التخفيف منه بشكل ساذج. هناك أوقات تكون فيها يدٌ تربت على كتف شخص مكسور أقوى من ألف جملة محفزة. وأحيانًا تكون المواساة في فعل بسيط مثل شوكولاته أو فنجان من القهوة ، رسالة قصيرة تقول "أنا أفكر بك"، أو حتى مساعدة عملية تزيل عبئًا عن كاهله. المهم أن أكون حاضرًا بقلبى، وليس فقط بجسدى، وأن أمنح الشخص المساحة ليعبر عن حزنه بطريقته دون أن أحاول سحبه بسرعة نحو التعافي. المواساة الحقيقية تشبه الضوء الخافت في غرفة مظلمة، لا يطرد الظلام تمامًا.
أحاول في مواساتي أن أعرض الجوانب الإيجابية الحقيقية في أي محنة، ربما ظنًا مني أن الكلام المعسول والمواساة المعنوية قد تكون لا تجدي داخل الشخص الذي أواسيه، لذا أحاول القول له بطريقة غير مباشرة أنني أخذك وحزنك على محمل الجد ولست هنا لأقول كلمات العزاء التي قد لا يتذكرك أحد بعدها، مثل شخص فقد وظيفته أحاول طمأنته بما أراه من وضع السوق ومهاراته وكيف أن إيجاد الوظيفة التالية لن يكون بتلك الصعوبة. وأحيانًا أخرى أحاول توفير الالهاء من خلال الأفعال التي قد يحب الشخص الانخراط فيها.
المواساة لا تكون دوماً سهلة، وتختلف باختلاف علاقتنا ومدى قربنا من الشخص الذي نواسيه، فمواساة مدير أو زميل عمل أكبر سناً، غير مواساة صديق أو صديقة، لكن تتفق المواساة في وجود عاطفة صادقة حقيقية، وشعور حاضر بالآخر.
قد تكون المواساة في صورة سماع الشخص الآخر إذا احتاج أن يتكلم، وقد يكفي الحضور ليشعر الشخص الآخر أننا جانبه، كما أن المواساة ممكن أن تكون بطريقة عملية بتقديم المساعدة التي يحتاجها الشخص.
التعليقات