يحدث للكثير منا أن تختفي الروح المرحة كلما كبرنا في العمر، صحيح أن هذا الأمر طبيعي لانشغالنا في الحياة ومحاولتنا مواكبة مجرياتها السريعة. ولكن هناك أشخاص أعرفهم بلغوا من العمر الستين سنة وأكثر وما زالوا في كامل حيويتهم وابتسامتهم المشرقة. فلماذا تختفي ابتسامة البعض منا كلما كبر في العمر؟ وكيف نحافظ على روحنا الطفولية المرحة مهما مرت بنا صعوبات ومشاكل؟
لماذا تختفي ابتسامتنا كلما كبرنا في العمر؟
الحياة وتقلباتها والتي لا يمكن لأي أحد توقعها، كنت بفترة من الفترات الابتسامة لا تفارق وجهي، حتى كان الجميع يعلق على هذا الأمر (دوما مبتسمة!)، ونتيجة لظروف مررت بها، لا إراديا ورغم أني شخص يحسبه الجميع قوي فلست ضعيفا أو عاطفيا لكن أخذت هذه الظروف من روحي، تسببت في تغيير وحزن دائم يحيل ظهور هذه الابتسامة، فمع هذه الظروف ظهرت مسئوليات أكبر، وضغوطات أكثر أثرت بشكل كبير.
على الصعيد الآخر، كلما كبرنا كلما كانت الأشياء التي تسبب لنا السعادة او الابتسامة أقل، أو مبالغ بها، فنحن صغار كان كيس من الشيبس يحقق لنا ابتسامة، انتصار بلعبة مع الأصدقاء، الآن لنبتسم نحتاج أمور أكثر كنجاح بعمل، حصول على فرصة مرتقبة أمور تحصل بمعدل أقل من الحصول على كيس شيبس.
ومع كل هذه التغيرات أحاول الحفاظ على الطفل الذي بداخلي نوعا ما ليظل هناك بعض هذه الأمور البسيطة التي تحفزنا على الابتسام.
حقاً العمر مجرد رقم و لكن فقط لمن يؤمن بذلك ، برغم من أن للعمر بعض الدلالات البيولوجية و الفسيولوجية و التى لا فرار منها ،و لكن أحياناً يشعر المراهقون و الشباب بالشيخوخة و العجز و أنقضاء العمر و هم فى ريعان الشباب،بينما يشعر أشخاص وصلوا لعمر الستين و السبعين و يبدأون خطوات جديدة في الحياة و ينطلقون و يبتسمون و يلعبون رياضات صعبة و لا تتوافق أحياناً مع طبيعة عمرهم بل و يحرزون بطولات فيها ،و هناك من يتعلم مهارات جديدة و يبدأ مشروعات جديدة .
أعتقد أن العمر سيتحول لمجرد رقم إذا آمنا بذلك من داخلنا ، و إن تصالحنا مع أنفسنا و أقبلنا على الحياة ،و توكلنا على الله و تركنا الأمر له ،و كان لدينا دوماً سعى حثيث و متواصل نحو النجاح و السعادة و المفتاح الحقيقى للابتسامة و للحيوية هو القناعة .
يقول البعض أنّ العمر مجرد رقم و أنّ الشباب يكمن في القلب لكن هذه عبارة مواساة أكثر منها حقيقة، فالعمر لا يعتمد على ما نشعر به، إنه يتقدم دون مراعاة مدى إستعدادنا لمحطات العمر القادمة، وربما وعينا في لحظة ما بهذه الحقيقة هو ما يجعلنا أقل سعادة و إقبالا على الحياة كلما تقدم قطار العمر.
السبب الآخر هو أننا ترعرعنا في مجتمعات لا تعيش شيخوخة صحية فشاهدنا أجدادنا ينحدرون إلى أرذل العمر في غياب تام لشروط الرعاية الصحة المناسبة ما جعل التقدم في العمر بالنسبة لنا مرتبط بالضعف و المرض و الإعتمادية على الآخرين و من منا يريد أنْ يكون في موقف كهذا، ربما حل هذه المعضلة يمكن في محاولة عيش شيخوخة صحية أو التحضير للشيخوجة بغتباع نمط حياة صحي قد يقينا أمراض الشيخوخة و مشكلاتها الصحية و يمكننا من مواصلة الإستمتاع بالحياة و عيشها بسعادة حتى في خريف العمر.
السبب الأخير و الأكبر -في وجهة نظري- هو أننا كلما كبرنا كلما تخلينا عن أحلامنا و طموحاتنا تحت طائلة المسؤولية و حقيقة الحياة القاسية التي تأبى أنْ تمنحنا كل شيء، ففي الأربعين مثلا، ندرك أنه لم يعد متاحا لنا أن نتبع شغفنا أو نغير وظيفتنا او نختار طريقا غير هذا الذي نمشي فيه، لا احد يستيقظ في الأربعين و هو محامي أو طبيب ليقرر أنه يريد أن يجرب حظه في حله القديم بأن يصبح ممثلا سنيمائيا، التقدم بالعمر ينجر عنه صغر الأحلام وهذا يقودنا لفهم عميق بمحدوديتنا و يصيبنا بخيبة أمل لا نظير لها فنصبح أقل سعادة بل و أقل بحثا عن السعادة. قليلون هم من يعكسون جريان الحياة البائس لصالحهم.
أظن أن السبيل للحفاظ على روحنا الطفولية مثلما سألتي يكمن في الإهتمام بصحتنا النفسية و البدنية فمن جهة علينا إتباع نمط حياة صحي للحصول على نوعية حياة أفضل و الدراسات أثبتت أنّ نمط الحياة الصحي مرتبط بالسعادة، و من جهة اخرى علينا الإبتعاد عن العلاقات السامة و التركيز على دواخلنا و احتياجاتنا النفسية و إشباعها.
أمر آخر يحافظ على شباب الروح هو الإستمرار بالتعلم مدى الحياة بتجربة أشياء جديدة و إستثمار الوقت و المال في عيش مغامرات حياتية و لو كانت بسيطة كتعلم مهارة جديدة أو كبيرة كالسفر حول العالم.
أعتقد ان الامر يختلف من شخص لآخر بخصوص السبب، كما أن هناك البعض في دواخلهم مرحين وعفويين لكن ملامحهم لا تبدو كذلك، معظم أصدقائي عندما سألتهم عن أول إنطباع عني لديهم كان جوابهم:
"كنت تبدين متكبرة وغير مرحة" لكن الحقيقة هي العكس تماما ههههه
مع ذلك يبقى الجانب الواقعي والحياتي من ضربات الحياة المؤلمة، والتعب والسعي... هذا يغير نظرة الإنسان أحيانا، وأيضا سلامه النفسي الداخلي وطبعه... كل هذا له يد في الأمر.
الأمر يختلف من شخص لأخر ولكن لنقل أن السبب الأول هو ما يمر به الإنسان في حياته، ما يتخطاه من مآسي وما يقابله من مسؤوليات، بعض الناس يستطيعون التكيف معها وبعضهم يتم إلتهامهم في دوامة كبيرة لا يخرجون منها.
الحفاظ على الروح الحيوية من الأشياء المهمة جدًا في نظري، فالحياة واحدة ولا تتكرر وكل لحظة نضيعها هي لحظة لا ترد من جديد فلماذا لا نجعل ابتسامتنا تواجه همومنا؟
السبب الأخر الذي يجعل الناس يصلون لهذه المرحلة هو النظرة السلبية من المجتمع للأشخاص المرحين، أحيانًا يرونهم لا يعيشون سنهم أو يتصرفون كالأطفال لذلك فربط السعادة والحيوية بالطفولة أمر عليه أن يمسح من الوعي الجمعي للمجتمع في رأيي، وعلى العكس علينا تشجيع الكبار على الضحك والاستمتاع بالحياة بشكل أفضل مما ينعكس حتى بشكل إيجابي على صحتهم
ما فهمته من كلامك ان وجود الابتسامة او اختفاءها يتم ربطه بالعمر، اي كلما كنا في عمر الزهور تتوسع ابتسامتنا وكلما تقدمنا تقلصت؟ ولكن يا ترى لما قد نجد شبابا يبتسمون بمقدار وقليل ما نرى ابتساماتهم، فلما يحدث ذلك؟
صحيح ان هذه الحياة بمشاكلها وحلوها، تارة قد تجعلنا نبتسم وتارة اخرى قد تغيب ابتسامتنا، لذلك ما يجعلنا نقيس مقدار ابتسامتنا هو اللحظات التي مررنا بها وليس بالعمر، لانني شخصيا اعرف اشخاصا نقر الشيب رأسهم ومازالت ابتسامتهم تملأ وجوههم، وكما يقال في بعض الدراسات كلما ابتسم الفرد كلما كانت حالته النفسية والصحية بشكل جيد.
الأمر لا يختص فقط بالابتسامة يا عفيفة، وإنما الإقبال على الحياة بشكل عام، المرح حينما يحين وقته والسعادة إن توفرت فرصها. كل تلك الأمور يتمناها الشباب ويستغلونها إن أتيحت لهم، ولكن البعض منا بعد مدة زمنية تبدأ تلك الروح في الذبول تلقائيًا، وهنا ينبغي أن نعرف سر اختفائها وكيف يمكننا استعادتها إن أمكننا.
التعليقات