انتهى شهر رمضان ولازالت المقارنات بين مسلسل أشغال شقة ومسلسل خالد نور وولده نور خالد لا تنتهي، وهذا يعود في الأساس لتميز العملين وتركهم لبصمة قوية عند المشاهدين، وأحد أهم أوجه المقارنة بينهما كانت في طريقة الكوميديا التي اعتمد عليها كل منهما، فنجد أن مسلسل أشغال شقة تميز بتقديم كوميديا الموقف، لا افيهات ولا سخرية مبتذلة ولا مبالغة في الأداء، وحده الموقف ومن قوته يجبرك على الضحك، أما مسلسل خالد نور وولده نور خالد فاختلفت الأمور قليلًا، حيث كان الاعتماد الأكبر على الأداء التمثيلي والانفعالات الخاصة بالممثلين أنفسهم، وهذا النوع من الكوميديا هو الأصعب برأيي، لأنه يحتاج لممثل قوي، مَلَكة الكوميديا لديه عالية، وشخصية مكتوبة بعناية فائقة، حتى ينجح في تحقيق هدفه، وإلا سرعان ما سيحكم على العمل بأكمله بالفشل، وبالطبع إذا اجتمع الاثنان فهذا شيء عظيم، ولكن إذا تعين علينا الاختيار من بينهما، فما من بينهما هو الأهم أو الأقوى كوميديا الموقف أم كوميديا الشخصية؟
ماذا تفضلون من بينهما، كوميديا الموقف أم كوميديا الشخصية؟
أعتقد أن كوميديا الموقف أبلغ وأكثر تأثيرا في المشاهد، ذلك لأنها تعتمد في نجاحها على عدة عوامل مشتركة على عكس الكوميديا الشخصية التي تصب كل حملها على عامل واحد وهو قدرة الممثل على الإضحاك، والعوامل التي يجب أن تتوفر في كوميديا الموقف من أجل نجاحه هي قوة الكتابة والحوار، وتناسق عمل الفريق وانسجامه مع بعض، وانسجام حركة الموقف مع سير الأحداث في العمل ككل، فقوة الكتابة والحوار تعكس جودة النكت والمواقف التي يتعرض لها الشخصيات، مما يزيد من فرصة إضحاك الجمهور، وتناسق العمل الجماعي يضمن أن تكون الفرقة أكثر فعالية في تقديم العروض الكوميدية، حيث يتعاون الجميع بشكل جيد ويكملون بعضهم بعضًا، وأخيرًا، يجب أن تكون حركة الموقف وسير الأحداث متناغمين، حيث يتم تقديم المواقف الكوميدية بشكل يتناسب مع تطورات القصة والشخصيات.
على العكس أرى أن كوميديا الشخصية تجذب المشاهد أكثر، و يمكننا رؤية ذلك في مسرحيات عادل الإمام، فأغلب الممثلين هناك لا يتذكرهم أغلبيتنا إلا هو لأن كان الشخصية الرئيسية الكوميدية هناك، بينما كوميديا الموقف يمكن أن تضحك المشاهدين و لكن لا ترسخ الشخصيات لديهم و بدا بعد مدة ينسى المشاهد ذلك العمل.
عللت موقفك بالممثل عادل إمام، فلاحظ معي أن عادل إمام نفسه ورغم قوته في انتاج الكوميديا والإضحاك إلا أنه غالبا ما يعتمد هو الأخر على كوميديا الموقف لا على شخصيته وحركاته، لأن أغلبية المشاهد التي نتذكرها في مسراحياته كما ذكرت هي عبارة عن مواقف كوميدية عبر مشاهد جماعية، مثال حواره الشهير في مدرسة المشاغبين (بتحطي نفسك في مواقف بيخااا) هو في الأصل موقف كوميدي يعتمد على شخصيات متعددة منها المدرسة وصديقه وحواره معها، ليأدي لنتيجة اطلاق هذه الجملة التي بقيت راسخة في ذهن المشاهد.
عادل إمام تحديدا قوة أعماله الكوميدية تعتمد عليه وليس على العمل أو مواقفه، فحركاته وانفعالاته هي المحرك الأساسي لإنتاج الضحك، تجدينه يقوم بمشهد عادي جدا وهو يقوم بتبويخ ابنه مثلا ولكن تضحكين، هل لأن الموقف نفسه يضحك؟ لا،تمثيل عادل إمام نفسه يضحك، وحتى لو كان الموقف نفسه مضحك ولكن طريقة عادل إمام نفسها هي ما تساهم في التعبير عن الموقف بالطريقة التي تجعل المشاهد يضحك بالفعل، وربما إذا تم استبداله في نفس الموقف بممثل آخر لم تكن نفس النتيجة ستتحقق، حتى أن جزء كبير من سرعة شهرة ابنه محمد إمام وقبوله عند الناس هم أنهم رأوا فيه حركات والده.
لا أبخس قدر عادل إمام في انتاج الكوميديا بشخصيته وحركاته، فهو ملك في ذلك، لكنه في غالب المشاهد المضحكة في أفلامه ومسلسلاته هي تكون معتمدة على شخصيات متعددة وحوارات طريفة ومتقنة كتابة بين الشخصيات، وبعيدة عن الابتذال والسخرية من الذات، لذلك فعادل الإمام لا يصنف ممثل كوميدي فقط بل نجده في كل الأجناس تقريبا.
أختلف في نقطة نسيان العمل، العمل الجيد الذي يترك تأثير عند الناس لن يتم نسيانه أيا كانت الطريقة المتبعة فيه.
فأغلب الممثلين هناك لا يتذكرهم أغلبيتنا إلا هو لأن كان الشخصية الرئيسية الكوميدية هناك.
هذا راجع لشهرة الممثل نفسه وليس أدائه في ذلك العمل تحديدا، فالناس حتى من قبل مشاهدة العمل تجدهم قد أطلقوا عليه اسم البطل لشهرته، يعني لا أعتقد مثلا أنه في أي مرة ذهب فيها شخص ما لمشاهدة مسرحية لعادل إمام وقال اسم المسرحية، ستجده دائما يقول أنا ذاهب لمشاهدة مسرحية عادل إمام أو النجم فلان لأن البشر في طبيعتهم يميلون للتسهيل والأسهل بالنسبة لهم تمييز الشيء بالأشهر فيه.
قرأت تعليق سابقًا لفت نظري جدًا في هذا الموضوع، وهو أن كتابة مسلسل أشغال شقة من خلال كوميديا الموقف لا تعتمد على وجود اسماء محددة من الممثلين، بمعنى أن أي شخص يمكنه أن يحصل على الدور إذا كان مناسبًا له ولديه القدرة عن التعبير، بالطبع وجود أسم هشام ماجد له ثقل من الناحية الكوميدية، ولكننا مثلًا رأينا مثال مصطفي غريب الذي لمع لسمه من أولى حلقات المسلسل، على الرغم من أنه لم يحصل على نسبة بسيطة من هذه الإشادات على دوره في مسلسل الكبير. وفي المقابل لو نظرنا لمسلسل خالد نور وولده نور خالد، سنجد أن الكتابة هنا لشخصيات كريم وشيكو، بمعنى لو أننا استبدلناهم بممثلين آخرين، في الأغلب وبنسبة كبيرة لن نحصل على نفس مستوى الكوميديا لأنها أصلًا تخدم الأدوات الشخصية لهما في الكوميديا (أسلوب كلام كريم محمود عبد العزيز، ردود أفعال شيكو)، لذا يعجبني النوعين ولكني أرجح كوميديا الموقف أكثر.
الأمر يرجع في كوميديا الموقف أكثر لجودة الكتابة ورسم الشخصيات وأداء الممثلين لهذا تظهر هذه الاعمال بشكل أفضل وأكثر تكامل من الناحية الفنية، لكن في النهاية الكوميديا هدفها الاضحاك وإذا نجحت في هذا فلا بأس أي كان نوعها فهناك بعض الكوميديانات الذين يفرضون أنفسهم بطريقتهم وقدرتهم على الاضحاك وأذكر منهم جيم كاري على سبيل المثال في بعض أفلامه ويونس شلبي وغيرهم وهذا لا يقلل من شأن الكوميديا التي يقدموها.
وأذكر منهم جيم كاري على سبيل المثال في بعض أفلامه.
ربما سأخرج عن النص قليلا، ولكن أنا جيم كاري لا يضحكني، وفي كل مرة أحاول مشاهدة عمل كوميدي له، أشعر أن محاولاته من حيث التعبيرات أو ردود الأفعال مفتعلة ومبالغ بها، ربما أحد عيوب الاعتماد على كوميديا الشخصية هو عدم مراعاة اختلافات الأذواق أو عقليات المشاهدين، أما كوميديا الموقف إذا صُنعت بإتقان لن تجد اختلاف عليها تقريبا.
لن أجادلك فيما يتعلق بجيم كاري :D، لكن ما ذكرتيه حقيقي بالفعل فالأمر سيرجع في النهاية لتقبل هذا الشخص من عدمه وذوق المشاهد في العموم، ودعيني أعبر عن رأي غير شايع أيضًا كالذي ذكرتيه بالأعلى أنني لا أحب كوميديا Charlie Chaplin مثلًا :)، وهو في رأي مثال آخر على هذا النوع من الكوميديا.
لن أجادلك فيما يتعلق بجيم كاري.
أتفهمك جيدا، يصعب علي أنا أيضا تقبل اختلاف شخص على شيء تقريبا لا خلاف عليه، ولكن حقيقي لا أجد تفسير لعدم تقبلي طريقته في الكوميديا، وبالنسبة لتشارلي فأنا أيضا لا يضحكني أكثر من جيم كاري حتى، ربما بشكل عام لدي مشكلة مع الكوميديا المقدمة من الغرب، فأنا دائما ما تكون فئة أعمالهم من الكوميديا هي الأقل تفضيلا لي، وإذا حاولت تذكر كم فيلم كوميدي أجنبي أعجبني ربما سأخذ وقت طويل حتة أتذكر أحدهم، على عكس الأعمال المصرية بالطبع وحتى الكورية والتركية ويمكن الهندية أحيانا!
لا بالعكس انا متقبل لهذا الرأي وقد افهمه بعض الشيء فهناك أشخاص مقربين لي يملكون نفس هذا الرأي وكوميديا جيم عمومًا فاقعة بعض الشيء إذا صح التعبير لكنها في ذات الوقت بالنسبة لي مسلية بقدر كبير، وهناك عموما انواع كثيرة من المحتوى الكوميدي الذي يختلف تقبله من شخص لآخر كال sitcoms وال stand-up comedy والكوميديا الساخرة وغير ذلك، فهو أمر به سعة كبيرة تتيح للجميع الاستمتاع بما يروقه.
قبل الحكم على أيهما يفضل الشخص، يجب النظر إلى الخلفية الثقافية والشعبية أولا للمتلقي لأنها عامل مؤثر في تقبل النوع الكوميدي، فالكوميديا البريطانية معتمدة بنسبة كبيرة على كوميديا الموقف وبدون معرفة الشخص لبعض الأشياء وراء هذه الكوميديا فلن يضحك لهذا يصفنها البعض _ الكوميديا البريطانية - بكوميديا جامدة لأنها أصعب في طرحها وفهمها ولكن ميزتها أنها تضحك بسلاسة دون ابتذال، أما الكوميديا الشخصية فهي أسهل الأمور وأبسطها فمن لا يضحك بسبب اسماعيل ياسين وتوم وهاردي وجيم كاري ومحمد سعد؟ الجميع يضحك لأنها سهلة وبسيطة ولكن عيبها هو أنها في أوقات كثيرة تأخذ منحنى الابتذال وهذا ما نراه مثلا في مسرح مصر فهذا ابتذال وليس كوميديا ورغم ذلك نجدهم ناجحون لأن هنالك جمهور يبحث عن هذه البساطة في الطرح.
أما بالنسبة لي فكوميديا الموقف أكثرها قربا لي.
كوميديا الموقف الأقرب لي أيضا لأن بها الكثير من الأمور المترابطة بين أكثر من شخصية وأقرب للواقع نوعا ما، أما أسلوب الكوميديا الشخصية يعتمد على الممثل الأوحد وأغلب الممثلين بجوارة أعتبرهم سنيدة له، وأعتبر الإعتماد على على شخص أوحد لتقديم الكوميديا رهان صعب، هناك ثلاثي أضواء المسرح أسلوبهم كان جميل حيث لا يتم الإعتماد على شخص واحد فقط وعلاوة على ذلك البعد عن الإبتذال
لا تعني كوميديا الشخصية الاعتماد على ممثل واحد أو شخصية واحدة فقط، هذا ليس بالضرورة كما ذكرت في مثال ثلاثي أضواء المسرح، بل إن أفضل الأعمال الكوميدية التي تعتمد على كوميديا الشخصية تكون ناتجة من تعاون أكثر من ممثل موهوب في تلك الناحية، أو تعاونهم هو ما أخرج لنا مقدرتهم على الضحك، ومثال على ذلك كان الثلاثي هشام ماجد وشيكو وأحمد فهمي، فهم قاموا بإخراج عدد من الأعمال الكوميدية الناجحة جدا، ولكن بعد انفصالهم لا يمكن لشخص واحد منهم أن يقوم ببطولة عمل كوميدي بمفرده ويضحكني، حتى في مسلسل أشغال شقة كان نجاح المسلسل معتمد على الكتابة وليس هشام وفي مسلسل خالد نور كان كريم محمود عبد العزيز يضحكني أكثر من شيكو.
هذا يعتمد على الممثل نفسه وكيف ساعد غيره على الكوميديا فمثالك بثلاثي اضواء المسرح كان كل منهم يساعد غيره ويسند له الموقف ويتبادلون الأدوار وأيضا من هؤلاء الممثل القدير عبد المنعم مدبولي وفؤاد المهندس ونجيب الريحاني، رغم أنهم يستطيعون وحدهم أن يضحكوك بكوميديا الموقف ولكنهم في نفس الوقت كانوا يتركون المساحة لغيرهم، عكس ما حدث بعدهم من الممثل الأوحد الذي يريد أن يكون هو أكبر صانع ضحكة في العمل مثل محمد صبحي مثلا.
أكبر ميزات كوميديا الموقف أنها لا تحتاج لممثل كوميدي، أي لا تحتاج مجهود من الممثل نفسه من أجل الاضحاك تماما، فتجد نفسك تضحك بشدة على مشهد ما، وتعبيرات الممثل نفسه في المشهد جامدة، وإذا تم استبداله بآخر لكانت نفس النتيجة، وربما ذلك هو ما قد يجعل البعض يختلف عليها كما ذكرت في مثال الكوميديا البريطانية، الشعوب الانجليزية عموما معروف عنهم البرود أو لنقل الجدية حتى على المستوى الشخصي هم ليسوا شخصيات فكاهية ومن الصعب أن يجعلوك تضحك وهذا أغلبهم إلا قلة قليلة، ولهذا تجدهم يعتمدون على ذلك النوع من الكوميديا، فضلا عن أن لكل شعب وحتى لكل طبقة لغة خاصة به وثقافة وحتى عادات، وهذه عوامل يمكن استغلالها في الكوميديا ولكن إذا لم تقدم لأصحاب فئتها لن يفهموها وبالتالي لن تضحكهم، وأكبر مثال على تلك الحالتين هو مسلسل Friends حرفيا كل من شاهده مقسوم بين رأيين لا ثالث لهم إما أفضل مسلسل كوميدي شاهده على الإطلاق أو أسوأ مسلسل كوميدي شاهده على الإطلاق، والأمر كله متوقف على فهم الكوميديا نفسها المقدمة من خلال الموقف.
أكبر ميزات كوميديا الموقف أنها لا تحتاج لممثل كوميدي
ورأينا هذا في فيلم الأيدي الناعمة فمن يتوقع أن يكون ذو الفقار وأحمد مظهر يخرج منهم هذه الكوميديا الرائع وهم بالأساس ليسوا ممثلين كوميدي بالأساس، لهذا تكون هذه الكوميديا الأكثر امتاعا بالسنبة للعديد، وبالنسبة Friends ميزته أنه سهل وبسيط لهذا يراه العديد أنه أفضل عمل كوميدي ويرى البعض أنه سخيف بالنسبة لي أحببته عندما كنت صغيرا ولكن مع الوقت لم يعد من المسلسلات المفضلة وفضلت عليه the office
أفضّل كوميديا الشخصية بشكل أكثر من غيرها لكونها معتمدة على تمثيل الشخصيات أنفسهم بشكل فعّال وتسليط الضوء على خصائصهم الفريدة وتفاعلاتهم مع الأحداث، والذي يعجبني فيه هو أنّ فيه تحديات كبيرة بالنسبة للممثلين والشخصيات، حيث يتطلّب ذلك قدرة كبيرة إبداعية في إظهار الشخصية بشكل واقعي وفعال، مع الحفاظ على الفكاهة والجاذبية، وهنا يكمن الأمر الإبداع الفردي وهنا يمكن كشف الشخصيات إن كانت محترفة أم لا.
حيث يتطلّب ذلك قدرة كبيرة إبداعية في إظهار الشخصية بشكل واقعي وفعال
هذا يحدث فقط عندما يتوفر عاملين: ممثل لديه مَلَكة كوميدية حقيقية + كتابة مُحكمة تستغل أدواته باحترافية، ولكن في الفترة الأخيرة وجدت أن الاهتمام بعامل وجود الممثل الكوميدي أهم من كتابة سيناريو يخدم أدواته، بمعنى أننا نعتمد فقط على قدرته على إضحاك الناس بأسلوبه، ورأينا ذلك مثلًا في الجزء الأخير من مسلسل الكبير، وحتى تعليق معظم الناس السلبي على هذا الجزء كان بسبب عدم الاهتمام بجودة كتابة الحوارات الكوميدية واعتمادها فقط على بعض الكوميكي والإفيهات.
بالفعل يجب أن يكون هانلك توازن بين الكتابة الجيدة وأداء الممثل لكونه يلعب دورا هاما في نجاح أي عمل كوميدي. لأنه عندما يتم التركيز فقط على قدرة الممثل على إضحاك الجمهور دون الاهتمام بجودة السيناريو والحوارات، فإن ذلك قد يؤدي إلى فقدان جزء من جاذبية العمل وتقليل قيمته الفنية.
ومن الواضح أن النقاد والمشاهدين يمكن أن يلاحظوا هذا التوازن ويعبروا عن انتقاداتهم عندما يفتقر العمل الفني إلى هذا العنصر. يمكن أن تكون هذه الانتقادات بمثابة إشارة لصناع العمل لضرورة التركيز على تطوير الكتابة والسيناريو بجانب استغلال قدرات الممثل الكوميدي.
بالفعل يجب أن يكون هانلك توازن بين الكتابة الجيدة وأداء الممثل لكونه يلعب دورا هاما في نجاح أي عمل كوميدي.
كل من الكتابة والتمثيل يخدم بعضهما البعض، يوجد عدد كبير من الممثلين خارج نطاق الكوميديا أي الكوميديا في حد ذاتها ليست ملعبهم ولم يقوموا بتقديم أدوار من قبل فيها، ولكن تجدهم في عمل ما يبهرونك بقدرتهم على اضحاكك والسبب ليسوا هم أنفسهم فقط، بل الكتابة نفسها التي رسمت تفاصيل شخصيتهم بإتقان فأخرجت لنا شخصية جذابة تستطيع ترك بصمة لدى المشاهدين، وتتوج الكتابة الجيدة هنا بممثل لديه القدرة على فهم أبعاد الشخصية فيجيد تمثيل تلك التفاصيل التي أبدعتها الكتابة.
بالفعل وخاصة وأنه في الآونة الأخيرة أصبح المخرجون والمنتجون يركزون على السوشيال ميديا أكثر من التلفزيون، لهذا ترين أن أغلب الممثلين اليوم هم عبارة عن "مؤثرين" كما يسمونهم وناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي، بينما الممثلون خريجوا المسرح وكليات الإعلام والفن يواجهون شبح البطالة، وهذا ما جعل من المشهد مؤسفا جدا فضلا عن التجاوزات الأخلاقية التي تنتهك والحمد لله سلطة الضبط البصري بالرغم من تهاونها قليلا إلا أنها توقف تلك الأعمال قبل انتهائها مع كل خطأ يظهر للساحة.
أننا نعتمد فقط على قدرته على إضحاك الناس بأسلوبه.
المشكلة هنا أن تلك القدرة لن يتمكن من تقديمها إذا لم يخدمه كتابة جيدة تجعله يخرج هذه الكوميديا! هذه معضلة حقيقية لا يستوعبها صناع الأعمال، فمهما كان الممثل موهوب ومتمكن سواء في الكوميديا أو غيره فتلك الموهبة لن تبرز سوى بكتابة جيدة وبإخراج جيد هذه عناصر أساسية في الصناعة، إذا فُقد إحداها تدمر العمل ككل، والدليل الأكبر على ذلك أن نجوم كبار بمواهبهم صنعوا أعمال ناجحة جدا وأعمال فاشلة جدا، وذلك لأن أي عمل لا يمكن بأي حال من الأحوال أن ينجح بحق اعتماد على اسم ممثل أو قدراته التي لا يساعده العمل غلى إخراجها.
أفضّل كوميديا الشخصية بشكل أكثر من غيرها لكونها معتمدة على تمثيل الشخصيات أنفسهم بشكل فعّال وتسليط الضوء على خصائصهم الفريدة
كوميديا الشخصية أحيانًا تتحول إلى مجرد شخص يقوم بحركات بهلوانية أو يغير نبرة صوته، وكأنه يحاول أن يقول لك "اضحك أرجوك". أنا لا ألجأ لمشاهدة هذا النوع من الكوميديا إلا حين أرغب في تفريغ عقلي بمشاهدة شيء لا يحتاج إلى تركيز، فأحب على سبيل المثال مشاهدة مشاهد علي ربيع رغم علمى بأنه يعتمد على هذا النوع، ولكن هذا لأنني لا أريد التفكير فيما وراء النكتة.
لكن بشكل عام كوميديا الموقف تفوز وبقوة. وهي تتطلب بقدر ما أيضًا من كوميديا الشخصية، فتجد أنها تمزج بين الموقف والشخصية لإضحاكك، وعندك أحمد حلمي مثلًا، كوميديا موقف، ولكن لا يستطيع أن يؤديها غيره لأنه يضفي على الموقف من شخصيته.
ليس بالضرورة برأيي لأن السيناريو والظروف المحيطة بالشخصية أيضا تعمل على خلق تلك الفكاهة كذلك، فلا شك في وجود الاختلاف بين الأساليب الكوميدية وكيف يمكن أن تختلط معاً في بعض الأحيان لإضفاء المزيد من الفكاهة. فيبدو لي بأن الترفيه يأتي بشكل أفضل عندما يكون بسيطاً وغير معقد، مما يسمح لنا بالاستمتاع دون الحاجة إلى إيلاء الكثير من الانتباه نحو التفاصيل، والسيناريو الجيد يلعب دورا كبيرا في هذه المسألة.
كوميديا الشخصية أحيانًا تتحول إلى مجرد شخص يقوم بحركات بهلوانية أو يغير نبرة صوته، وكأنه يحاول أن يقول لك "اضحك أرجوك".
حرفيا هذا يشمل كل أعمال نجوم مسرح مصر، هذه المجموعة التي خرجت من المسرح لعالم السينما يقتحمون كل الأعمال بكل أنواعها، فقط بسبب الشهرة التي حصل عليها المسرح، ولن أنكر أن بعض عروضه كانت تضحك حقا، ولكن هذا لا يثبت القدرات التمثيلية لكل واحد منهم، فببساطة المسرح اعتمد على توظيف ما يجيده كل واحد منهم وتجميعهم معا ما أخرج الضحك، ولكن بمفردهم هم ليسوا سوى نسخ مكررة تعيد ما تمتلكه من قدراتها المحدودة بنفس الطريقة والانفعالات ونبرة الصوت، لا موهبة قوية ولا توظيف جيد لبعض ما يمتلكونه من موهبة.
الأدهى أنهم حين خرجوا لشاشات السينما كُشفت حدود موهبتم. تمثيل المسرح مختلف تمام الاختلاف عن التمثيل في شاشات السينما والتليفزيون، ولكنهم يستمرون في استخدام نفس الأداء ونفس طرق الإلقاء، وكأن المخرجين يقولون إن ما يعجب الناس يجب الإكثار منه، ولكنهم لا يدرون أن الجمهور الذي يستطيع التقييم فعلا يمل ويدرك الفرق جيدا فليس من السهل خداعه.
ولا داعي للحديث طبعًا عن كوميديا السخرية من الشكل والوزن التي اتبعوها، ولا الإفيهات التي مصدرها بوستات السوشيال ميديا. هذا نوع آخر من الكوميديا ومصيبة أخرى.
حيث يتطلّب ذلك قدرة كبيرة إبداعية في إظهار الشخصية بشكل واقعي وفعال، مع الحفاظ على الفكاهة والجاذبية، وهنا يكمن الأمر الإبداع الفردي وهنا يمكن كشف الشخصيات إن كانت محترفة أم لا.
ومن الممثل المفضل لديك و وجدت فيه هذه الميزات من وجهة نظرك؟
الممثل المفضل لديّ في قسم الفكاهة، هو الفنان القدير صالح أوقروت، الجزائري الأصل، وأتمنى له الشفاء العاجل إذ غاب عن الساحة في هذه السنوات الأخيرة بسبب مرض السرطان، وله أعمال كثيرة من بينها "جمعي فاميلي" "السلطان عاشور العاشر" "بوزيد دايز" وهي التي لقت رواجا كبيرا في الساحة الفنية الجزائرية، فهو يملك البساطة والعفوية وهي التي جعلت منه محبوبا لدى الجمهور الجزائري ولي خاصة.
أميل إلى كوميديا الموقف بسبب كونها تخرج بشكل عفوي وتلقائي دون تكلف وتشعرنا أنها جزء من حياتنا فتضفي علينا نوعًا من البهجة والسعادة، وفي الحقيقة لفت انتباهي مسلسل أشغال شقة كثيراً ورأيت فيه ما يحدث في حياتنا العادية وربما هذا ما يجعل الكثيرون يفضلون كوميديا الموقف.
وبالرغم من ذلك لا أنكر أن كوميديا الشخصية ترسم البسمة على وجوهنا في الكثير من الأحيان، ولكنها تتطلب فنان يدخل القلب لنتقبل منه هذا النوع من الكوميديا بصدر رحم وإلا سيصبح الأمر سخيفًا.
ولكنها تتطلب فنان يدخل القلب لنتقبل منه هذا النوع من الكوميديا بصدر رحم وإلا سيصبح الأمر سخيفًا.
القبول أجده شرط أساسي للعمل في التمثيل عموما، فهي مهنة هدفها الرئيسي هو الترفيه، والقبول هنا مرتبط بشكل أساسي بالموهبة ولا أعني القبول على المستوى الشخصي، فمثلا هناك ممثلين غير موهوبين بالمرة أو لنقل قدراتهم التمثيلية محدودة وهو ما يجعل قبولهم على الشاشة صعب جدا ولا يستطيع المرء إكمال مشهد واحد لهم، وعلى المستوى الشخصي قد يكونوا شخصيات لطيفة ومحبوبة جدا، والعكس صحيح، فهناك شخصيات في الحقيقة غير مقبولة بالمرة ولكن في التمثيل لا تستطيعين سوى الإعجاب بموهبتهم والتأثر بها.
التعليقات