مسلسل يبقى رقم واحد بالمشاهدة من ال 2008! ما أسرار بقاء أي عمل برأيك؟

(خاصة مع وجود الكثير من الفنانين الذين يقولون بأنّ المُنتَج التلفزيوني عمره قصير جداً)

لا أعرف من أين نشأت تلك النظرة المجحفة للأعمال التليفزيونية، وإن كانت تتحسن بالسنوات الأخيرة..

فأذكر مثلا منذ سنوات كيف كان نجوم السينما هم "نجوم الشباك" وكيف كانوا ينظرون للتليفزيون على أنه مقبرة تلك النجومية؛ فكانوا يقللون المشاركة بأعماله قدر الإمكان!

سبب بارز بعينه وأذكر لي رأيك بالمسألة علّنا نصل إلى مقاربة للحقيقة فعلاً.

صراحة لم أشاهد المسلسل من قبل، لكني أعايش حالة مشابهة مع بعض المسلسلات العربية القديمة، فقد أكون حفظت بعض تلك المسلسلات، رغم أنها أنتجت قبل مولدي بعشرات السنين، وذلك بسبب تعلق الأهل بها وبالتالي ينقلون ميولهم الفنية والثقافية للجيل التالي، لكن الغريب أنني أعجبت فعلا بالكثير منا رغم أنها شبه مفروضة علي، وبعضها لم يروقني كذلك.. وبعضها لم أستطع مواصلة مشاهدته، رغم ما يحظى به من مكانة خاصة جدا، كمسلسل رأفت الهجان مثلا!

أعتقد أنّه من أبرز الأسباب التي أدّت لنجاحه هو الطريقة الرّائعة التي كًتب بها السيناريو والذي يشمل ضمنًا اختيار الشخصيات والمواضيع التي يتحدث عنها وتداخل الشخصيتين الرئيستين في صناعة هذا المسلسل. أوّلًا فإنّ المحّفز على نجاح هذا المسلسل هو الحبكة التي ينطلق منها بحيث يُجبر والتر وايت على الدخول في حياة الجريمة وذلك نتيجة فشل نظام الرعاية الصحية الأمريكي وهو ما شكّل نقطة التحول الرئيسية لشخصية والتر نحو الشر. فهذا التداخل في شخصية والتر بين الخير والشر هو العنصر الأساسي والجاذب في فهم ما يحصل في السلسلة. فمن منّا لم يسأل: هل والتر وايت شخصية خيّرة ؟ أم أنّها شخصية شريرّة؟ فمن ناحية نحن نرى الجانب الجيد لهذه الشخصية المعقّدة ومن ناحية أخرى فنحن نرى الجانب الضبابي والمظلم منها وه ما يعني وجود صراع بين الProtagonist وال Antagonist.فهذا التناقض في شخصية والتر يشكل عنصرًا أساسًا للجاذبية التي يحصدها نتيجة التعقيد الذي تنطوي عليه شخصيته. وأمّا الأمر الأخر فهو أنّ Breaking Bad ,على الخلاف من باقي المسلسلات والأفلام فإنّه لا يحرم المجرمين من إنسانيتهم بل يعطيهم الحق كما أي فرد آخر بالحق بالحصول على الخلاص وهو ما رأيناه مع شخصيات مثل بول وجيس.

ليس عامل واحد فقط هو الذي سيتمكن من تغطية أسباب بقاء جميع الأعمال الدرامية المحلية والأجنبية، والأمر بعيد كل البعد عن أن يكون وصفة. لو كانت وصفة لنفذها جميع العاملين على المسلسلات في كل أنحاء العالم ولتربعت كلها على نفس الدكة لعقد وأكثر من الزمن.

ولكن العوامل متغيرة من عملٍ فني إلى آخر. هناك مثلًا عمل كوميدي استمر في عقول الناس واستمتعوا بمشاهدته لفترة طويلة لأن الكوميديا خاصته لا تزال مضحكة بالنسبة لهم. وهناك عمل يبقى ولكنه يبقى في خانة النوستالجيا التي يحب الناس العودة إليهم حين يؤلمهم الحنين.

الشاهد من كلامي ابحث وراء سبب طول عمر كل عمل على حدة، ولا تبحث عن سبب واحد لجميع الأعمال التي طال عمرها.

من لم يُشاهد التحفة التلفزيونية إلى الآن؟ أتحدّث بكل تأكيد عن BREAKING BAD

في الحقيقة لم أشاهده ولا أستطيع أن أعرف ما سبب بقائه هو تحديدًا.

طيب شباب لقد قاومت كثيرًا كل إغرائات مشاهدة هذا المسلسل، حسنًا سأتوقف عن المقاومة، ائتوني برابط مشاهدة المسلسل الآن.

سبب بارز بعينه وأذكر لي رأيك بالمسألة علّنا نصل إلى مقاربة للحقيقة فعلا

هل سمعت يوما عن "رحلة البطل" في الكتابة ؟ هذا هو السبب الرئيسي بكل بساطة لأن السيناريو كتب بناءا على رحلة البطل لجوزيف كامبل حيث قام الأخير بوضع نظرية بناءا على أبحاث مطولة قدم من خلالها الأسباب الأسياسية لنجاح أي عمل يكتب بهذه الطريقة حيث تنقسم الرحلة إلى ثلاث أقسام المغادرة والبدء والعودة ومن كل قسم من هذه الأقسام الثلاثة تندرج أقسام آخرى مثل نداء المغامرة في قسم البدء حيث نجد أن هنالك سبب واضح وصريح يجعل البطل يتحرك نحو مغامرة جديدة كما في حالة والتر وايت وهو أنه يكتشف إصابته بالسرطان فيذهب لنداء المغامرة لتحقيق الأمان المالي لأسرته ومن ثم ينخرط في المغامرة. والوقت لن يسمح في الواقع لتفنيد كل خط درامي للشخصيات في المسلسل ولكن لو تتبعت أيضا كل شخصية أساسية ومحورة في المسلسل فستجدها تتبع نفس النهج مثل جيسي ومثل المحامي سول... وهذا ما ميز المسلسل هو ليس فقط أن السيناريو جيد ولكن أن السيناريو يسير على خطى ثابته قلما تجد هذه الثباته في أعمال درامية طويلة صعبة. وما يؤكد حديثي عن رحلة البطل لكامبل نجد أن المؤلف قام بأخذ شخصية سول وحده وجعل لها مسلسلا خاصا ونجح أيضا لأن الخط الدرامي لرحلة البطل في المسلسل الأول وهو لسول كان مليئا بالأسئلة التي تجعلك تريد معرفة المزيد وفي النهاية وجب التعريف بأن كتاب البطل بألف وجه لجوزيف كامبل يعد المرجع الأول والأساسي لكل كتاب السيناريو في العالم ويدرس هنا في قسم السيناريو أيضا بمعهد السينما.

بأنّهُ مسلسل نُشر تقريباً في أوائل المسلسلات الجيّدة.

أعتقد أن هذا هو السبب الأساسي، فقد قرأت من قبل عن مصطلح يسمى " تقديس الماضي" أو تفضيله. وهي حالة يميل لها معظم البشر حيث يرون أن القديم دائما أفضل من الحالي ويشمل كل شيء، ستجدهم يقولون الفن زمان أفضل من الآن، الحياة زمان أفضل من الآن، الأخلاق زمان أفضل من الآن. بالرغم من أن كل زمن له عيوبه أيضا فلا شيء مثالي، لذا أعتقد في حالة هذا المسلسل وغيره في ممن رافقه في تلك الحقبة أنه للآن مستمر في حصد المشاهدات بسبب تلك الحالة والشعور الذي يسود مشاعر وعقلية الكثيرين بأنه أفضل من أي عمل موجود الآن ولا يمكن أن يُأتي بمثله.