اثنا عشر عامًا كانت كافية لقلب حياة «عُلا عبد الصبور»، الطبيبة الصيدلانية بنت الطبقة المتوسطة رأسًا على عقب. ففي الماضي تعلقنا كثيرًا بها؛ فأسرتها البسيطة المكونة من الأب والأم والجدة وأخيها حازم «الأهلاوي» كانت تشبه أغلبية الشعب المصري، ولذلك شعرنا وكأن «عُلا» هي صديقة مقربة منا. ولهذا قُوبل مسلسل «البحث عن عُلا» بالكثير من الانتقادات؛ فشتان بين شخصية «عُلا» التي تعودنا عليها وبين ما وجدناه في نسخة «نيتفليكس»، ولذلك لم يستطع أغلبنا أن يمنع نفسه من طرح سؤال مهم وهو: أين ذهبت «عُلا»؟

عرفنا «عُلا عبد الصبور» أول مرة من عالم المدونات حيث كانت تسرد «غادة عبد العال» الكاتبة المصرية رحلتها الشخصية للحاق بقطار الزواج وتعاملها مع ضغوط عائلتها وصديقاتها وكل من حولها لقبول أول عريس يطرق بابها مما يعرضها للعديد من المواقف المضحكة مع العرسان، وانتهى بـ«عُلا» الأمر في «عايزة اتجوز» بالزواج من العريس رقم ثلاثين ألا وهو «هشام». وفي «البحث عن عُلا» نجد أنها قد أنجبت منه طفلين وتركت وظيفتها وتحولت إلى ربة منزل، ولكن المفاجأة هو تصريح «هشام» برغبته في الطلاق منها بعد 12 عام، والسبب الوحيد أنه ليس سعيد ولا يشعر بالراحة معها، ولهذا تبدأ علا في رحلة بحث عن الذات ولملمة شتات نفسها.

بالتأكيد الاختلاف واضح بين الجزء الأول والثاني في شكل الأزياء ومستوى المعيشة والطبقة الاجتماعية؛ فانتقلت «عُلا» من طبقة متوسطة إلى طبقة عليا واختلف مكان سكنها من منزل أسرتها البسيط إلى مجتمع سكني مغلق «الكومباوند»، وبدلًا من «الميكروباص» التي كانت تستقله يوميًا للعمل، أصبح لديها سيارة ذات طراز حديث، وبدلًا من الوظيفة الحكومية، فتبدأ «عُلا» رحلة غرضها النهوض بمشروع خاص بها يحمل اسم «فرصة ثانية» تقوم فيه بصنع مركبات خاصة للعناية بجمال المرأة.

وقد يرى البعض أن مظاهر التغير حقيقية وواقعية؛ لأنه من الطبيعي أن يكون هناك ارتقاء اجتماعي في الفترة الزمنية الكبيرة التي غابت فيها «عُلا» عنّا. وأيضًا رأى البعض أن بيئة المجتمعات السكنية المغلقة أصبحت منتشرة بشكل كبير والكثير من الناس يعيشون فيها. 

ولكن هل من المنطقي أن تنتشر الأعمال التي تغلب عليها طابع الرفاهية، بل وأيضًا تشبه إلى حد كبير المجتمعات الأجنبية بينما يتم تهميش الهوية الحقيقية للغالبية العظمى من الشعب بمختف طبقاته التي تقبع خارج أسوار «الكومباوندات»؟

والسؤال هنا، لماذا انتشر مجتمع «الكومباوند» مؤخرًا في الدراما المصرية؟ وهل فعلًا تُعبر تلك الأعمال عن المجتمع المصري؟ أم أن المبدعين وصُناع الدراما عزلوا أنفسهم تمامًا عن المواطن العادي وفضّلوا الواقع المزيف فقط لان تجسيده أسهل؟