يأتينا بصوتٍ عالي يسردُ مونولوجه الذي أعدّهُ مُسبقاً، نراهُ ملكاً يحكي وملكاً يقول وملكاً يسردُ حكايةً طويلة يقضّها لأجل مسرحيّة، هو على خشبة وهو بلا تصفيق تقريباً، إلّا الاضواء المسرحيّة البيضاء التي توحي بشيءٍ من الخصوصيّة منهُ وعليه، نستمرُّ في هذا التمثيل وهذا الكلام المؤثّر بين حكاية وأخرى، مونولوجه طويل، في كل لحظة تنتظرُ أن تُساندهُ شخصيّةٌ ما كممثلٍ وحيد على خشبة مسرح يبدو أنّ جمهورها ينصتُ إليه بكامل الإصغاء لكلّ التأثير الذي يصوغهُ بعباراته المُبهرة ومواضيعه الآسرة والأهم قدرته التمثيلية الغاية في الأناقة والرتابة، القدرة التي تدخل كل من يُشاهد العرض، لكن في نهاية الأمر يُدقُّ الباب، أيُّ باب؟ باب المستودع! 

ليتعرّى المُمثّلُ أمامنا ليس جسدياً، إنّما روحياً، لإننا نكتشفُ أنهُ وبلحظة ما هو لا بُممثل ولا الخشبة التي يقفُ عليها بخشبة مسرح، كل ما هُنالك أنّهُ لم يكن إلّا انسجاماً لأستاذ رياضيات في ممارسة حلمه في قبو المدرسة، غُرفة وسائلها الكبيرة، يُعلمه الطالب بأنّهُ تأخّر على الحصّة، فيعودُ إنساناً مهدوماً إلى ممارسة العمل الذي ليس بحلمه ويترك غرفة الوسائل خالية والأهم: الحلم وراءه. 

هذا مُلخّص فيلم أغنية البجعة، فيلم قصير للسعوديّة: هناء العُمير. 

وبهذا الكلام لا أريد أن أناقش الفيلم بعينه، بقدر ما أريد مناقشة موضوعته، هل فعلاً يصعُب على الإنسان بعصرنا أو يستحيل أن يمارس حلمه؟ هل يمكن لأيّ ظرف أن يمنعنا عن ما نُريد؟ 

للأمانة لا أعتقد ذلك، ولهذا أكتب الأن، لا يمكن لأي ظرف برأيي إلّأ الموت أن يحول بيننا وبين ممارسة الأحلام، ولا أرى كل تلك الأفلام والقصص التي حكت لنا عن الاحلام الكبيرة المسلوبة منّا إلّا مواضيع يُمكن أن يبنى عليها جمالاً "دراما" ولكن لا يمكن أن تكون حقيقةً في عالمنا، إذ ما الذي يمنعُ مثلاً لموظّف بدوام كامل أن يقتطع نصف ساعةٍ في اليوم (على الاقل وفي أسوء الأحوال) ليكتب، ليرقص، ليُمثّل، ليُغني، ليركّب أبجديات شعر أو أبواباً من خشب أو ينحت مثلاً؟ لا يمكن أن يمنعنا أحد عن ذلك، إلّا الميلودرامية التي تعشّقت في أذهاننا والأسس الرأسمالية التي ترسّخت في أذهاننا بأننا لا يمكن أن نُمارس أي شيء إلّا للمال، لم يكن سابقاً أيّ شغف أو فن للمال ولذلك صنعوا ما صنعوا من عصر النهضة إلى ما قبل الحداثة.

ليأتي السؤال، كلّ السؤال: ما الذي يمنعكم فعلاً من ممارسة أحلامكم يومياً؟ هل فعلاً العمل لا يبقي لكم أي لحظة لأنفسكم؟ لأحلامكم وشغفكم بالحياة؟