يجدر بنا قبل الإجابة عن هذا السؤال طرح تساؤل آخر هو، ما وظيفة السينما أو الفن عمومًا؟ لأنه وبحسب إجاباتنا وقناعاتنا حول السؤال الثاني ستتضح إجابة الأول دون عناء يذكر.

من العجائب أنه كثيرًا ما يطلب المرء منّا من الأشياء ما ليس من خصائصها، بل ويتبرّم إذا لم تلبّي هذه الأشياء مطالبه، وهذا خلل معرفي ملحوظ في كثير من الأوساط والبيئات؛ لكن يا ترى ما منشؤه؟

استمتع الإنسان القديم بالفن بجميع صوره وأنماطه البدائيّة، ورأى فيه مخرجًا للإبداع وآلية للتشارك مع الجماعة (منافع معنويّة)؛ بل وجعله المصدر الأساس لحفظ النفس والتنعم بالرفاهية (المتعة). بينما حاول الإنسان الحديث -نسبيًّا- عقَلنة الفن، تارةً بالتحايُل لتحقيق منفعة مادية بحتة، وتارة بإقصاء بعض أنماطه، وتارات بالزعم أنّ الفن أحد مصادر المعرفة. (لماذا نحاول عقلنة بعض وسائل المتعة؟)

ومن هذه الرؤية التاريخيّة، أصبح صعبًا على بعضنا اليوم تفهُّم لوحة فنيّة رمزيّة أو عمل أدبي مكثّف؛ لغياب الأدوات المعرفيّة اللازمة لذلك.

وربما صدق القائل: "لا قيمة للفنون اليوم دون امتلاك الأدوات المعرفيّة اللازمة لِتفكيكها وتفهُّم أبعادها".

فَتكوين معارف وخبرات جديدة من السينما أو الفن عموما ليس أمرًا مستحيلًا، بل هو نُخبَويّ نوعًا ما؛ لأن تلقي معارف وخبرات حياة مؤلف أو مخرج أحد الأفلام في ساعتين فقط من المشاهدة، ليس بهذه السهولة.

وأتذكر أن أستاذي -الذي أدخلني عالم السينما- قال لي يومًا: "ساعتين من المشاهدة يا نور، تُجبرانِي على أسبوعٍ من القراءة والمطالعة".

وربما كان ما ذكرنا من غياب الأدوات المعرفيّة وامتلاك رؤية مغلوطة عن وظيفة الفن، هو السبب الرئيس لِتحامُل وهجوم البعض على الفنون والسينما خصوصا.

قناعتي أن السينما وسيلة من وسائل إنضَاج المعارف والخبرات الموجودة سلفًا، وليست وسيلة لتحقيق الجديد؛ فما رأيكم؟