كانت لي زميلة جامعية، أراها يومًا بعد يوم، وتجمعنا لحظات يومنا بشكل كبير بداية من حضور المحاضرات، مرورًا بالوقوف في الحرم الجامعي، نهاية بالتمشية الطويلة التي كنا نتبادل بها النقاشات.

كانت جميلة ولطيفة التعامل ، إلا أنها كانت تمر بتقلبات مزاجية أصابت دهشتي، أراها تارة ثرثارة، مبتهجة حد العجب وتارة أخرى حزينة منطوية على نفسها ولا تريد أن تتلفظ بكلمة واحدة ..

بصراحة كِدت أمل من طباعها وأبتعد شيئًا فشيئًا حتى أخبرتني أنها تزور طبيب نفسي والسبب كان أنها

مصابة بالإضطراب ثنائي القطب أو ما كان يُدعى الإكتئاب الهوسي، وهي حالة يتأرجح فيها الإنسان بين مزاج مفرط من السعادة والهوس وبين مزاج متعكر جدًا يسيطر عليه الكآبة.

أخبرتني أن مرضها مزمن لكنها تحاول التعامل معه باتباعها لطرق عديدة نصحها بها طبيبها.

وحين سألتها عن درجة إصابتها بالمرض قالت أنها من ذوي اضطراب ثنائي القطب لكن من الدرجة الثانية، أي أنها أصيبت بنوبة اكتئاب تليها نوبة هوس لكن خفيفة لم تصل لمرحلة الذهان.

تقلبها بين الهوس الخفيف كان يجعلها في حالة من التفاؤل الشديد، والنشاط الزائد والثقة بالنفس المبالغ فيها ، بالإضافة إلى تشتتها وثرثرتها الغير طبيعية ومن ثم الوقوع في مخاطر بسبب التسرع في أداء أفعال حمقاء!

أما نوبة الاكتئاب فكانت تواتيها في الشعور الشديد بالحزن وانعدام الرغبة، نقصان الاهتمام بالأشياء وفقدان الشهية بشكل كبير أو ارتفاعها بشكل مفاجيء، معدلات نوم كبيرة جدًا أو أرق مستمر لا ينقطع، الشعور بالذنب الشديد والتفكير في الانتحار.

رحلة العلاج لمرضى الاكتئاب الهوسي قد تطول أو تقصر تبعًا لدرجة المرض لكن أغلبها تعتمد على الأدوية ووسائل العلاج النفسي — سواء كان المريض مصابًا باضطراب ثنائي القطب من النوع الأول أو اضطراب ثنائي القطب من النوع الثاني.

وتتحدد جرعات الأدوية والنوع الذي يتناوله المريض تبعًا الأعراض التي يعاني منها فمثلًا :-

١) استخدام مثبتات للمزاج ، وذلك بهدف السيطرة على نوبات الهوس أو الهوس الخفيف.

٢) أدوية مضادة للإكتئاب والتي غالبًا ما توصف مع مثبتات للمزاج ومضادات الذهان لأنه قد ينتج عنها نوبة هوس.

٣) الأدوية المضادة للذهان.

٤) مضاد الاكتئاب-مضاد الذهان. وهو الجمع بين عقاري المضاد للاكتئاب والمضاد للذهان. يمكن استخدامه كعلاج للاكتئاب ومثبت للمزاج.

وبالإضافة إلى أدوية الخاصة بمرض الإكتئاب الهوسي، فهناك عوامل أخرى مهمة جدًا في خطة العلاج وتشمل :-

العلاج النفسي :- وهو أهم جزء في خطة العلاج ويستهدف المعالجة السلوكية لتحديد المعتقدات والسلوكيات غير الصحية والخاطئة واستبدالها بمعتقدات وسلوكيات صحية وإيجابية.

علاج الإيقاع الاجتماعي:- والذي ينتج عن معالجته روتينًا ثابتًا لتحسين الحالة المزاجية.

العيش بنمط حياة صحي، الحصول على النوم الكافي، نظام غذائي صحي، وممارسة الرياضة، والانخراط في الدوائر والأنشطة الاجتماعية والانضمام إلى مجموعة دعم.

والآن شاركوني، كيف يمكننا أن ندعم الأشخاص الذين يعانون من مرض الإكتتاب الهوسي؟ وما أفضل الطرق التي نستطيع إتخاذها للقرب منهم والتخفيف من وطأة مرضهم ؟!