قد يكون حديثي طويلاً لكني آمل أن تشفى وتستفيد من تجربتي ، وسأدعوا لك في قيامي راجياً من المولى عز وجل أن تشفى من الوسواس يا أخي العزيز والطيب .
انا عانيت من الوسواس القهري مثل الوسواس العقيدي ووسواس الوضوء والاغتسال ووساوس أخرى ، وكلها ذهبت جميعها ما عدا وسواس الوضوء فما زال لدي بعض منه لكنه ليس مبالغ به.
وأولاً قبل كل شيء يجب أن تفهم أن الوسواس عبارة عن مرض مثل الأمراض الأخرى تقريباً يصيب الانسان في أي مرحلة عمرية مهما كانت ، قد يكون هناك بعض الأدوية التي تعالجه ، وقد ينتهي ويذهب عنك في أي لحظة أيضاً ، واحياناً يكون له أسباب مثل حالات اكتئاب يمر بها الانسان او أحداث معينة ، ولشيطان أيضاً حظٌ فيها ، لذلك إعلم أن هذا مرض طبيعي يصيب أي شخص ، وهذا يعتبر بلاء يثاب ويؤجر صاحبه على هذا البلاء، وان صبرت محتسبتاً الأجر ، ستؤجر بأجر عظيم ويكون لك طهوراً ومغفرةً لذنوب .
ثانياً : لقد تعالجت من دون أدوية بتاتاً ، ومما لا شك فيه أن صلة العبد بربه وايمانه به يضعف الوسواس ويجعله أقل عرضةً له .
سأشبه لك هذه القضية المؤرقة بقصة قصيرة قد استفدت منها في العلاج ، كان هناك شخص يمشي في الطرقات ،صادف مجنوناً في الطريق ، وعندما كان يمشي الشخص أو الشاب في سبيل أمره ، صاح عليه ونزل يشتمه ويعترض لطريقه ، الموقف السليم من الشاب أن يطنش هذا المجنون ولا يلتفت اليه أصلاً ، فلو التفت إليه فسيتعلق المجنون به ، وسيجد من يتجاوب مع شتائمه المتكررة وتعرضاته المزعجة ، فلا يلبث إلا ويترصد لهذا الشاب ويقصده كلما لمَحَهُ لمحةً من بعيد ، ويعجب ويتعلق أكثر وأكثر بهذا الشاب كلما راح الشاب المسكين يتكلم مع هذا المجنون ويحاول أن يدافع عن نفسه ويبرر له تصرفاته ، لدرجة أن المجنون يلحق بهذا الشاب المسكين الى بيته ، فيدخل في حياته كلها ، ويصبح المجنون هذا يبحث عنه في كل مكان إن فكر الشاب المسكين الهرب الى مفر يؤيه من المجنون.
المجنون هنا هو الوسواس القهري وانا هو الشاب الذي يمشي في الشوارع ، والذي يكون أنت أيضاً ، والطرقات أو الشوارع هي الأفكار التي ينتج عنها العمل كجلي الصحون مثلاً ، الموقف السليم لشخص هو عدم الالتفااااات مطلقاً ولو بمثقال ذرة الى المجنون أبداً والانتهاء! ، لأن تحريك الرأس لوحده والنظر اليه كافٍ ليزيد المجنون تعلقاً بهذا الشاب المسكين .
فكرة هذه القصة من صنع طبيب ، وانا اضفت اليها تجاربي معها وما كان يحدث لي مع الوسواس القهري ، وكما يقولوها الناس : " اسأل امجرب ولا تسأل خبير ".
فعلاجي كان بأن لا التفت مطلقاً له بل اني كنت ازيد في المقاومة فأسلك الطريق التي تبعدني عن الوسواس ، فآتي لغسل الصحن مثلاً فأغسله مرتاً أو مرتين _ دقارة _ لأعاكسه حتى وان لم يكن نظيفاً ، ولا أهتم ولا أبالي ولا أفكر ابداً بما يطرح لي هذا الوسواس ، فان حاولت ان تناقش الفكرة فقد خسرت!! وان لم تُتَنطش فقد خسرت امامه ! وان حاولت التفكير به وسلك ذلك الطريق المشؤوم وردت على ذلك المجنون فقد خسرت! .
وتلاوة المعوذات والقرآن ساهم أيضاً في علاجي ، ونحن نؤمن بأن القرآن يشفي الصدور و وأنه يوضع صلاحاً في نفس المتلقي للقرآن في عالم الغيب ،ويوجد شروط حتى تكون التلاوة فيها شفاء وهو أن تكون نفس المتلقي للقرآن مهيئة لذلك وأن القراءة سليمة وأن الذي يتلو القرآن لديه نيه خالصة وصدق ، وأن لا يصتدم علاجها مع ما تحكم به الطبيعة من أخذ للأسباب كالدواء مع امكانية حدوث ذلك من غير دواء إن شاءت مشيأت الله ، وهذه الشروط تعلمتها من كتاب الداء والدواء لابن القيم .
والذي ساعدني أكثر وأكثر هو حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي عالج وسواس العقيدة عندي ، حيث روي عن الحبيب المصطفى : " أنَّهُ عليهِ السَّلامُ جاءَهُ ناسٌ مِنَ الصَّحابةِ فقالُوا يا رسولَ اللهِ إنَّا نجِدُ في أنفسِنَا الشيءَ يعظمُ أنْ نتكلمَ بِهِ ما نحبُّ أنَّ لنَا الدُّنيا وأنَّا تكلَّمْنَا بها فقالَ أَوَ قدْ وجدْتُمُوه قالُوا نعمْ قالَ ذاك صريحُ الإيمانِ " وحديث آخر : "عن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَأْتِي الشَّيْطَانُ أَحَدَكُمْ فَيَقُولُ : مَنْ خَلَقَ كَذَا ؟ مَنْ خَلَقَ كَذَا ؟ حَتَّى يَقُولَ: مَنْ خَلَقَ رَبَّكَ ؟ فَإِذَا بَلَغَهُ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ وَلْيَنْتَهِ. " فكان يأتيني في الصلاة مثلاً وساوس اكرهها ، وسواس في العقيدة أكرهه لدرجة اني اجادل هذا الوسواس لقبح الأفكار بجهلي فلا ينفك عني وأزيد الطينة بلة ، لكن عندما سمعت قول النبي "فَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ وَلْيَنْتَهِ " وأن هذه الكره للفعل فهمته على أنه صريح الايمان ، وأن هذا لابتلاء من الله ليطهر به ذنوب العباد ويرفع بهم الدرجات والمنزلة ، نزلت علي الطمأنينة ، وأصبحت اصبر وفي قلبي فرحٌ وتفاؤل واستبشار بما سيغفر الله لي من هذا الابتلاء وبصريح إيماني بالله وتوكلي عليه وبما سيرفع الله مكانتي عنده !
واصبحت انشد شعراً بكل بهبجةٍ :
كن عن همومك معرضاً.. و كل الأمورَ إلى القضاء
أبشر بخيرٍ عاجل.. تنسى به ما قد مضى
فلرُبَّ أمرٍ مسخطٍ.. لك في عواقبه رضا
و لربما اتسع المضيقُ.. و ربما ضاق الفضاء
الله يفعل ما يشاء.. فلا تكن متعرضا
الله عودك الجميل..فَقِس على ما قد مضى ...
كان الله في عونك يا أخي الكريم!
وشفاك الله وعافاك من كل الوساوس ولأمراض
هناك كتاب اسمه : الداء والدواء لابن القيم سيفيدك كثيراً
التعليقات