قبل الإجابة عن عنوان مُساهمتِنا، دعونا نذهب في رحلةٍ أنثروبولوجيّةٍ، نستعرِضُ فيها طرفاً من حياة الإنسان الأول، ذلك الإنسان الذي لم يملك يوماً وسيلةً لحفظِ صَيْدِهِ الحيوانيِّ، مصدرِ طعامه الأول في تلك الحقبة، والذي كان يحصل عليه بشقِّ الأنفُس بعد فترة طويلة من الصيام بحثاً عن فريسة. وبما أننا مسلِّمون بأن وجودنا ناتجٌ عن نجاح هذا الإنسان في البقاء؛ فلماذا لا نتسائل قليلاً عن طريقة تعامله مع طعامِه؟ هل تظنون أنه كان يُقَسِّمُ وجباته لعدد محدد؟ أم أنه كان يعتمد على ملءِ معدته بمجرد وقوعه على صيدٍ لأنه لا يدرك متى يقدِرُ على الحصول على آخر؟ أحسبها الثانية وعليه؛ أرى (ومعي أغلبُ خُبراء التغذية) أن نجاح الإنسان في البقاء الفيزيقيِّ لا يتوقف على عدد وجباتٍ محدد، أو طريقة مقنَّنة لتحصيل حاجته من الطعام.
لكننا اليوم نبعُد عن هذه الحقبة بأكثر من مليون عام؛ لذلك لن نصنع كصنيعه، بل سنستأنس بتجربة هذا الإنسان لنتفكّر ونتسائل حين توجِهنا بعض التوصيات الحديثة إلى ضرورة التمسُّك بعددٍ محدد من الوجبات.
إذاً هل نأكُل كما عودتنا أمهاتنا ثلاث وجباتٍ من الحجم المعقول؟ أم نحذِف وجبة العشاء، أم ماذا؟
طالما أننا لا نشكو علةً جسديَّة، ولسنا عُرضَةً لأمراض وراثيّة يتسبب فيها اللبْخُ الغذائيُّ؛ فلا ضرورة البتة للالتزام بعدد معينٍ من الوجبات؛ بل الأمر وما فيه أنْ نضع احتياجنا اليوميِّ من السعرات الحراريَّةِ في العدد الذي يناسبنا من الوجبات، بحيث لا يقل عن اثنتين ولا يجاوِز الستَ (حسب أغلب التوصيات الحديثة).
لكن لاحظوا معي أن هذه المساهمة ليست دعوةً إلى الانكباب على المطاعم والمشارب وتناول كل ما يحلو لنا، فليس معنى اعتراضنا على التقنينات المغلوطة، أن نفتح الأبواب على مصارعها لأنفُسنا. فنجاح أنظمتنا الغذائيّة لن يكون دون تحديد عدد السعرات المناسبة لنا، واختيار أصناف الطعام المفيدة (الصحيَّة) التي نحبُ، ثم تضمينها للعدد المناسب لنا من الوجبات.
خِتاماً كيف نحدد العدد المناسب لنا من الوجبات؟
الإجابةُ غايةٌ في البساطة، وسأوضح ذلك بمثالٍ شخصيٍّ. أنا من النوع الذي يفضِّل تناول كمية كبيرة من الطعام في وجبة واحدة، لأني متى ما تناولت وجبات صغيرة متعددة (ما يسميه البعض سناكس) لن أستطيع المقاومة، وسأزيد عن عدد السعرات الحراريّة التي يحتاجها جسدي؛ لذلك أتبع نظام الصيام المتقطِّع (لا لفقدان الوزن كما هو معروفٌ عنه) طيلة النهار، وأتناول وجبتين كبيرتين مساءً. لكن هل يشترط أن يفعل كلٌّ منَّا ذلك؟ قطعاَ لا وألفُ لا؛ إنما نحدد احتياجاتنا السعراتيّة، ونضعها في نظامٍ يناسبنا نصنعه لأنفسنا، أو نقتبس من أحد الأنظمة الجاهزة لتحقيق أهدافنا الغذائيّة كما فعلت.
أخبروني كيف تقسِّمون وجباتكم؟ وهل ستدفعكم هذه المساهمة لتغيير نظامكم الحاليّ؟
التعليقات