وهم المعرفة هي ظاهرة شائعة لدى البشر، و أغلب الأشخاص يتوهم أنه يعرف تجربة ما بدون أن يمر بها، فلا شك أنك تعرف شخصا يعطي نصائح عن العلاقات العاطفية و هو لم يكن في واحدة من قبل، أو يتخيل أنه يعرف شعور أن يكون أبا، أو غيرها.

الإكتئاب ليس إستثناءا و هي إحدى تلك التجارب التي يتحدث عنها الجميع بدون فهم حقيقي.

ماذا الذي تشعر به عندما تكون مكتئبا؟

ما حدث معي كان منذ مدة طويلة فبالتأكيد سأنسى ذكر الكثير من التفاصيل و تجربتي كان يتخللها القلق لذا سيكون هناك تداخل بين أعراضهما.

هل تعرف الشعور عندما تعود لممارسة الرياضة متحمسا، أو تبدأ مشروعا فنيا؟ في البداية تحب ما تفعله ثم يبدأ ذلك الحماس بالفتور تدريجيا إلى أن تصل لمرحلة يقول دماغك فيها: ما تفعله ممل، ذكرني لما تقوم به مجددا؟

ثم عمم ذلك الشعور على كل شيء تفعله في حياتك. لا تحب تناول الطعام أو النشاطات الإجتماعية أو مشاهدة التلفاز. يصل أحيانا لدرجة أنك ترى المال ثم تتسائل: ما فائدته حقا؟

لا شيء تقوم به يغير من مزاجك، تتوقف عن الدراسة و ممارسة هواياتك و الخروج من منزلك و تقطع الإتصال مع الجميع.

ثم يبدأ الألم، أحيانا تشعر به في جسدك و لا يمكنك إيقافه مهما فعلت.

تشعر بالتعب الشديد و تشعر أنك غير قادر حتى على الحركة.

البعض يقول أن القلق خوف غير مبرر من أشياء لن تحدث لك، لكن ما تخاف من حدوثه يحدث دائما و لا يتركك فالألم يأتيك مهما فعلت للهروب منه. الأمر أشبه بأن تكون يدك مثبتة فوق النار. تشعر بأن أمرا كهذا تناقض و تتسائل كيف يمكن أن يوجد كل هذا الكم العظيم من الألم في هذا الكون و ما الغرض منه.

هنا يبدأ الشعور بعدم الأمان، تشعر بأنك ضعيف جدا و كأنك حرفيا غارق في بحر في كوكب يغطي كل سطحه الماء، تتسائل إذا كان هناك وجود لأي أرض صلبة (منصة أمان) يمكنك أن تقف عليها.

ثم يبدأ العجز: لا شيء أبدأ يمكن أن أفعله لكي أخرج من هذه الحالة. أنا عالق في قفص شديد الصلابة من الألماس أو التيتانيوم، لن أخرج منه أبدا و لن يستطيع أحد مساعدتي. تلتزم بواجباتك الدينية و الدعاء لكن لا تجد أي فرق.

تشعر بأنك غير قادر على القيام حتى بأبسط الأشياء. مثلا لن أستطيع الذهاب مجددا إلى المكان الفلاني (يستغرق الوصول إليه خمسة دقائق)

تشعر بالحزن، بأنك بدون أي قيمة و أنك عالة على الجميع ولا فائدة من حياتك.

ثم تبدأ بالتفكير بالإنتحار، تبحث في غوغل عن أسهل وسيلة للقيام به.

تحاول الحديث مع الآخرين عن حالتك، فيخبرك أن الحل سهل جدا و أنك تبالغ و أن عدم شعوره بالإكتئاب هو "حقيقي أكثر" مما تعانيه. بينما القلق يشبه موسيقى الرعب المزعجة التي لا تتركك أبدا فتراه كالشخصيات الساذجة التي تموت أولا في أفلام الرعب.

في الحقيقة القلق تشعر به في لسانك. طعمه حامض. تشعر بأن صدرك و معدتك ينضغطان من الداخل.

القلق أحيانا يشلك عن الحركة. تعجز ركبتاك عن حملك و تعجز حتى عن تناول الطعام (لا شك أنك سمعت بخبر وفاة شخص قريب منك و تعرف هذا الشعور).

ثم تشعر بالعجز مجددا، بالإضافة إلى كل ذلك الجحيم الذي تعانيه، تلام عليه و تعتبر أنك المسبب له. لا أحد يفهم ما تمر به سوى بضعة علماء نفس و غرباء في الأنترنت.

المفارقة أنه عندما تجد وسيلة للإنتحار وتقرر الموعد و تعزم على القيام به فعلا، فإنك تشعر براحة تامة لم تعرفها منذ مدة طويلة.

ستنتهي معاناتك أخيرا، يالها من راحة! تخرج إلى الشارع غير مكترثا بأي شيء أو بأي أحد مثل تايلر دوردون في فلم Fight club، آمل حقا أن تصدمني سيارة في الطريق. أعلم أن الإنتحار حرام لكن الله غفور رحيم و يفهم تماما ما أمر به لذا أنا متفائل من جهته.

تشتري بضعة سجائر ثم تمشي بلا وجهة حتى تجد شابا يدخن القنب الهندي في إحدى زوايا الشارع. تتجه إليه و هو يعرف السبب حتى قبل أن تصل إليه. من الأعراف الشائعة لدى هؤلاء أنه يشاركك ما يدخنه. ستنتهي حياتك قريبا لذا لا ضرر من تجربة هذه الأشياء.

ينخفض جفنك ببطء و تصبح رؤيتك ضبابية قليلا ثم تبدأ بالضحك بلا سبب (هذا الأخير يحدث فقط في المرات الأولى). أنت واع تماما لكن منظورك للعالم إختلف، تشعر براحة في صدرك. تصبح شاكرا له كثيرا بينما تتناقشان و تتبادلان الدعابات كأنكما أصدقاء منذ مدة طويلة.

الآن لديك خطة جديدة: إذا كانت هذه العقارات قادرة على إحداث هذا التغيير، سأذهب إلى طبيب نفسي. العديد من أقاربي يذهبون إليه بسبب إضطرابات متوارثة في عائلتنا. شككت بكل ما قيل لي عن هذه الأدوية و يجب أن أجربها.

يعطيك مجموعة عقارات منها مضادات الذهان و الإكتئاب و البنزوديازيبينات. و بعد يومين أو ثلاثة من بدأ تناولها يتغير كل شيء.

و كأن شخصا أيقظك من كابوس رهيب فتتوقف موسيقى الرعب suspense و الحزن لتتحول إلى موسيقى upbeat كالتي تستخدم في الإعلانات. أخيرا تعود إليك حيويتك و ترى الألوان مجددا و العالم الذي يتحدث عنه السعداء.

ليس الغرض من هذه العقارات تناولها للأبد فهي مسببة للإدمان إذا أخذتها يوميا لمدة طويلة لكنها تعطيك دفعة لتعود إلى حياتك الطبيعية مجددا.

جوردن بيترسون قال أنه يجب أن تنظف غرفتك قبل أن تحاول تغيير العالم (أستغرب كيف لم يتوصل الجميع غيره إلى هذا). الكثير من الخبراء يجتهدون لدرجة الإحتراق المهني لحل المشاكل ثم يأتي شاب ساذج معمي بالأيديولوجيا يقرأ مقال في الأنترنت عن السياسة و الإقتصاد و يدعي أنه يستطيع إصلاحها بشكل أفضل. شبههم بالقرد حامل المطرقة الذي يحاول إصلاح مروحية عسكرية و نحن نعرف كلفة و التعقيد الشديد لهذه الآلات.

الإكتئاب يعاني منه ربع مليار شخص في العالم. و يجب التوعية به و ليس محاربة تلك التوعية. إيقاف إستخدام الأدوية النفسية يعادل تأثيره ضرب دول بقنابل هيدروجينية.

إذا كنت ستشن حربا على من يعاني بالفعل فسأطلب منك أن تتحلى بالقليل فقط من المسؤولية الأبستمولوجية و زيارة طبيب نفسي لكي يشرح لك أو تسأل مرضاه و أقسم أنك ستغير رأيك عن كل ما قرأته عن الموضوع.