معظمنا كمستقلين نصل إلى مرحلة نشعر فيها أن الأسعار التي بدأنا بها لم تعد تعبّر عن مستوى خبرتنا الحالي أو جودة أعمالنا بعد التطور الذي وصلنا إليه. لكنّ المعضلة الحقيقية تكمن في كيفية إبلاغ العميل برغبتنا في رفع السعر دون أن يبدو الأمر مادياً. فكيف تتعاملون أنتم مع هذه الخطوة؟ حين تشعرون أن الوقت قد حان لرفع الأسعار، هل تصارحون العميل مباشرة بالأسباب أم تفضلون أن تكون الزيادة تدريجية وبطريقة غير مباشرة؟
ما الطريقة المثلى لتبرير زيادة السعر دون أن يبدو الأمر مادياً؟
صراحة موضوع محير لأن العميل الذي تعامل معنا بسعر معين يرى أن هذا السعر عادل، لذلك من الأفضل بداية العمل مع العملاء الجدد بالسعر الجديد.
لكن هناك طريقة بالطبع لو عميل قديم مستمر معنا، وهي أن نقدم له المميزات الجديدة التي اكتسبناها بباقات سعر مختلفة..
فلو أصبحنا ننجز العمل أسرع يمكن أن نقدم للعميل اختيارات أسعار حسب سرعة العمل.
لو أتقنا تنسيق معين، أو مميزات معينة، يمكن تقديمها بأسعار مختلفة.
لكن تبقى مشكلة أنه قد لا يرغب العميل في مميزات جديدة لأن عملنا الاعتيادي يسره والدليل أنه اختارنا أكثر من مرة، ما الحل في هذه الحالة برأيك؟
برأيي ليس محير ولا شيئ فيه. الصراحة هي سيدة الموقف هنا لأنه حتى العميل يعمل من أجل الماديات وطالما عملنا يروق له فلمَ لا نطالب بزيادة خاصة ان أسعار كل شيئ تزيد مع التضخم؟! والواقع بعض العملاء هم أنفسهم يقومون برفع سعر الخدمات التي يتلقونها منا بدون أن نطلب ولكن هؤلاء قليل جدا.
لكن إذا رفض العميل رفع السعر، ماذا نفعل؟ هل نكمل العمل بالسعر القديم رغم أنه لا يعكس قيمة جهدنا، أم نترك العميل ونبحث عن آخر! الأفضل أن نفكر بهدوء إذا كان العميل مهم ويعود علينا بفوائد مستقبلية، ممكن الاستمرار مع تقديم قيمة أكبر. أما إذا كان السعر لا يعكس مجهودنا، الأفضل البحث عن عملاء آخرين ويعطون سعر مناسب
استمرار العمل بسعر لا يعكس الجهد الفعلي يضعف الحافز ويقلل من جودة الأداء بمرور الوقت حتى لو كان العميل مهم من الأفضل أن يكون هناك وضوح منذ البداية بأن الأسعار ترتفع مع التطور لأن العميل الذي يقدر عملك فعلاً سيتفهم ذلك أما من يتمسك بالسعر القديم فهو على الأرجح لا يرى القيمة الحقيقية لما تقدمه والاستمرار معه لا يضيف سوى مزيد من الاستنزاف
هناك بعض المهن بالفعل ترفض العمل بسعر قديم حتى لو خسروا العميل ويمكننا مشاهدة ذلك في المهن البسيطة مثل البائعين في الأسواق وسائقي التاكسي، لكن يكون هناك ترابط شفهي بين أعضاء هذه المهنة بعدم تنزيل السعر لأي سبب، فلا يجد العميل سعر منخفض عن واحد دون الآخر..
لا يمكن تطبيق ذلك على العمل الحر برأيي، ما رأيكم؟
برأيي صعب التواصل و الإتفاق على ذلك إلا أن يكون تواضع ضمني. فكيف يجتمع المستقلون جميعهم في فئة عمل بعينها ليحددوا سعراً لا يتنازلون عنه؟ ثم إن المستجدين لن يتفقوا مع أسعار القدامي ذوي الخبرة العالية برأيهم.
أرى أن نركز على توعية العميل بقيمة ما نقدمه لا فقط بالمميزات الجديدة ربط رفع الأسعار بتقديم مميزات جديدة ليس دائمًا الحل الأنسب لأن القيمة لا تقاس فقط بالسرعة أو الإضافات بل بخبرة المستقل وتطوره المستمر العميل لا يدفع فقط مقابل الخدمة بل مقابل الكفاءة التي تراكمت مع الوقت. لذلك من الطبيعي أن يرتفع السعر مع مرور الوقت حتى لو لم تتغير طبيعة الخدمة نفسها لأن جودة الأداء تكون أعلى والأخطاء أقل والنتائج أفضل وهذا بحد ذاته يستحق سعر أعلى دون الحاجة لتقديم مميزات إضافية
أعتقد أن الطريقة تعتمد على نوع العلاقة مع العميل. مع العملاء الدائمين، أفضّل أن أمهّد للأمر تدريجيًا، مثل تحسين الخدمة أو إضافة مزايا صغيرة قبل إعلان الزيادة، حتى يشعروا أن الارتفاع مبرر. أما مع العملاء الجدد فأحدد السعر الجديد مباشرة دون تبرير. في النهاية، من الطبيعي أن تتطور الأسعار كما تتطور الخبرات، لكن المشكلة في التوقيت وطريقة الطرح. المشكلة أن كثيرين يخافون من خسارة العملاء فيتراجعون عن القرار رغم أنه مستحق. فهل هذا الخوف مبرر، أم أنه جزء من ضعف تقدير المستقل لقيمة عمله؟
برأيي الخوف مش ضعف تقدير بالعكس أحيانًا بيكون نابع من حرص المستقل على الحفاظ على استقراره المهني خصوصًا لو العميل مصدر دخل ثابت أو التعاون بينهما ناجح لكن في نفس الوقت الاستقرار لا يعني الجمود فالمستقل لازم يوازن بين الحفاظ على علاقته بالعميل وبين التطور المهني اللي يضمن له التقدير المادي والمعنوي رفع السعر مش لازم يكون خطوة مفاجئة بل ممكن يكون نتيجة طبيعية لتراكم الخبرة وتحسين الأداء
وهل السعر أساسا من البداية كان على الجودة والمهارات ؟ لماذا لا نكون منصفين ؟ السعر كان هكذا لأنه كان كل الهم في الحصول على عميل في بيع خدمة في الانتقال من مرحلة البحث لمرحلة الممارسة وبناء شبكة عملاء، فلماذا علي أن أدفع ثمن أن أحدهم نجح في تنفيذ عدة مشاريع وبنى سمعة جيدة ؟ الأمر يشبه نتفيلكس التي قررت رفع قيمة الاشتراك بعد أن نجحت في تقديم أفضل الأعمال وتوقعت مضعافة الربح والنتيجة أن نصف الحسابات تقريباً توقفت عن تجديد الاشتراك! أنا أرى هذه الطريقة خطأ تماما
لكن في الحقيقة رفع الأسعار بعد اكتساب الخبرة والسمعة أمر طبيعي لأن الخدمة لم تعد كما كانت في البداية فالمستقل اليوم يقدم جودة أعلى إنجاز أسرع وحلول أكثر احترافية بفضل تجاربه السابقة وهذا التطور له قيمة. ثم إن العميل الذكي يدرك أن بقاء السعر ثابت مع مرور الوقت أمر غير واقعي خصوصًا مع تغير السوق وارتفاع التكاليف المهم أن يكون رفع السعر مبرر بخدمة محسنة أو نتائج ملموسة لا مجرد قرار عشوائي
للأسف لم أنجح في ذلك لأني كنت دائمًا أتردد في رفع أسعاري، وأخشى أن أخسر العميل أو يساء فهمي وكأنني أصبحت أضع المال أولًا، وهذا رغم أنني كنت أعي تمامًا أن جودة عملي ومستواي تطورا بشكل كبير، إلا أن الخوف من رفض العميل أو مقارنته بسعري القديم كان يمنعني من اتخاذ الخطوة، فأحيانًا كنت أرفع السعر لكن بشكل طفيف وغير ملاحظ، وهذا لم يكن كافيًا ولا عادلًا لي.
لكن مؤخرًا بدأت أفكر في تغيير هذه الطريقة، وأدرس الآن أن أبدأ بوضع باقات واضحة فيها تفاصيل الخدمة والتسعير، أو أن أخصص عروضًا جديدة للعملاء الجدد فقط بأسعار محدثة، حتى أتمكن من التدرج دون خسارة العلاقة مع العملاء الدائمين، وفي نفس الوقت أبدأ أخلق فرقًا يعكس تطوري كمستقلة.
أميل شخصيًا إلى رفع الأسعار بشكل هادئ ومدروس دون تصريح مباشر، فأُظهر للعميل أولًا أن مستوى الخدمة تطوّر وأن العمل بات يعتمد على خبرة أعمق، فيتقبّل الزيادة تلقائيًا. أؤمن أن السرّ ليس في قول "رفعت السعر" بل في جعل العميل يشعر أن القيمة نفسها ارتفعت قبل أن يسمع الرقم.
بالإضافة إلى ذلك أرى أن الاستمرارية في تحسين مهارات المستقل وتطوير أدواته هي ما تجعل أي زيادة في الأسعار مبررة فعلاً فحين يرى العميل أن المستقل يواكب التطورات ويقدّم حلولًا أكثر احترافية وابتكارًا يصبح تقبله للزيادة طبيعي فالقيمة الحقيقية لا تقاس فقط بجودة الخدمة الحالية بل بمدى تطور المستقل واستثماره في نفسه على المدى الطويل
التعليقات