في بداياتي في العمل الحر كنت أظن أن التفاوض يعني أن أتنازل قليلًا لأرضي العميل، حتى اكتشفت أن التفاوض الحقيقي هو أن أُقدر نفسي كما أقدر الآخرين. تعلمت أن السعر ليس رقمًا يُرمى عشوائيًا، بل انعكاس لقيمة ما أقدمه من وقت وخبرة وإبداع. ومنذ ذلك اليوم بدأت أشرح للعميل بلطف ووضوح ما الذي سيحصل عليه فعلاً مقابل السعر، وكيف أن الجودة التي ألتزم بها لا تأتي من فراغ.

وقد أدركت هذا الدرس يوم طلب مني أحد العملاء تنفيذ مشروع كبير في وقت ضيق وبسعر لا يعكس الجهد المطلوب، وحينها ترددت قليلًا، ثم قررت أن أشرح له بالتفصيل ما يتطلبه العمل فعلاً، من بحث وتخطيط وتنفيذ ومراجعة ولم أكن متأكدة من النتيجة، لكن المفاجأة أنه شكرني على شفافيتي ووافق على السعر الذي اقترحته دون تردد، وعندها فهمت أن الثقة تبدأ من الطريقة التي نقدر بها أنفسنا، وأن العميل الجاد يحترم من يعرف قيمته. منذ ذلك اليوم لم يعد التفاوض بالنسبة لي معركة أسعار، بل حوارًا يقوم على الاحترام والوضوح، وخطوة ثابتة نحو علاقات مهنية أكثر نضجًا.