في المؤسسات التقليدية، يرتبط مفهوم "الاحتراف" بسلسلة من المؤهلات، والسلوكيات، والمناصب الوظيفية. أما في فضاء العمل الحر، فالأرض مفتوحة، والقواعد ليست دائمًا مكتوبة… فكيف نعرف الاحتراف هنا؟ ومن يملك سلطة تحديده؟
الاحتراف في العمل الحر: كيف نعرفه؟ ومن يحدده؟
أعتقد أن الاحتراف في العمل الحر يحدده المستقل نفسه بعمله وخبراته السابقة ونماذج أعماله التي يقدّمها، ففي هذا المجال لا توجد معايير ثابتة كما في المؤسسات التقليدية، بل يعتمد الاحتراف على القدرة على تقديم قيمة حقيقية للعملاء والالتزام بالمواعيد، والمرونة في التعامل مع التحديات، والمستقل يبني سمعته بمرور الوقت من خلال الجودة التي يقدمها والاحترافية التي يظهرها في كل مشروع، وبالتالي هو الذي يحدد معايير احترافه بناء على إنجازاته وتفاعلاته مع السوق.
أعتقد أن ما ذكرتيه صحيح إلى حد كبير، ولكن قد يكون من المفيد وجود معايير غير رسمية تجمع بين التقييم الذاتي والسمعة المهنية التي يبنيها المستقل مع الوقت. فوجود هذه المعايير قد يساعد في رفع مستوى الاحترافية في العمل الحر بشكل عام، ويوجه المستقلين نحو تحقيق الجودة العالية، دون أن يفقدوا مرونتهم أو طريقتهم الشخصية في العمل.
لكن الامتثال للمعايير الذاتية والانغلاق يجعل عملية التطوير صعبة للغاية، كشخص داخل صالة رياضية يتمرن بخمس كيلو جرام ثم بعشرة ويظن أنه بذلك جيد، بينما باقي المتدربين وصلوا لخمسين أو مئة كيلوا مثلا، لذلك أرى أن المقارنة وتحديد معايير النجاح أو التقدم حسب حالة الفئة التي ننتمي لها أفضل من المقارنة بالذات لأننا مع منافسين لسنا بمفردنا هنا
أعتقد أن عملك نفسه هو من يخبر عن مدى احترافيتك، ويمكنك كمستقل أو عامل حر الشعور بذلك عندما تتسلم مشروعًا جديدًا وتجد نفسك تعرف بالفعل كيف ستبدأ وما الخطة أو الخطوات التي ستتبعها وما الذي ستفعله، مع وجود ثقة في قدرتك على إتمام العمل برغم الصعوبات التي قد تواجهك.
وبالطبع على الجانب الاخر ستجد أن صاحب العمل قد يثني على العمل ولن يعطيك الكثير من التعليمات ولا يطلب منك الكثير من التعديلات أو ربما لا يطلب أي تعديلات على الإطلاق لكونه يثق بك ويرضى عن مستوى عملك.
لذلك أنت وعملك وأصحاب العمل من لديهم القدرة أو السلطة على تحديد مدى احترافك بشكل أو اخر.
اتفق معك سهام ولكن ,هناك عملاء لا يبدون رأيا واضحا، أو لا يقدمون تغذية راجعة كافية، ما يترك المستقل في منطقة رمادية، لا يعلم هل قدر عمله فعلا أم تم تجاهله.
شكرًا أ. عبد الرحمن.
نعم هذا وذاك يحدث أحيانًا، لكن مع تكرار تقديم الخدمات والتعامل مع عدد من العملاء بخلفيات مختلفة يصبح للمستقل ما يشبه الحس الاحترافي، فمن خلال عدد قليل من المعلومات قد تستشف إذا ما كان العميل نفسه مبتدئًا أم خبيرًا في عمله وفي بعض الأحيان يصرحون ذلك بأنفسهم.
وهكذا نعلم من رأيه يهم أو يقوله على خلفية علمية ومن غير ذلك ومن يتجاهل.
وربما يمكن للمستقل (خاصة الجدد) أن يسأل رأي صاحب العمل فيما قدمه حتى يستطيع تعديل الأخطاء أو الناقص بالعمل قبل التسليم، ويتعلم تفادي تلك الأخطاء مستقبلًا، ولكن بدون إلحاح بالتأكيد. ما رأيك بذلك؟
أتفق معك سهام ، فبالفعل، تراكم التجارب يكوّن لدى المستقل نوعا من البصيرة المهنية، تجعله قادرًا على التمييز بين العميل المطلع الذي يعرف ما يريد، وبين من لا يزال في طور الاستكشاف أو التجربة. ومن هنا تبرز أهمية ما أشرتَ إليه من سؤال المستقل للعميل عن رأيه فيما قُدم، فهذه خطوة ذكية متى ما تمّت بروح من التعاون والرغبة الصادقة في التحسين، إذ إنها تبني جسورا من الثقة، وتظهر حرص المستقل على الجودة والاحتراف، خاصة إن قدّمها دون إلحاح، بل كجزء من مساره المهني الهادف إلى التطور المستمر.
ولكن لا يخفى أن الاحتراف، رغم تداوله كمفهوم، يظل مصطلحا نسبيا يصعب وضع تعريف ثابت له، إذ يتشكل وفق السياقات والتجارب والتوقعات المتبادلة.
قد يثني على العمل ولن يعطيك الكثير من التعليمات ولا يطلب منك الكثير من التعديلات أو ربما لا يطلب أي تعديلات على الإطلاق لكونه يثق بك ويرضى عن مستوى عملك.
ولكن لا يمكن الاعتماد أبدًا على هذه النقطة، لأن صاحب العمل قد يكون من خارج المجال كليًا، ولا يعرف قواعده ولكنه سعيد بمستوى المستقل في تقديم خدماته، إذن الفيصل هنا هو أخذ آراء ممن هم سابقين لنا في الخبرة، سواءً كانوا هم أصحاب العمل فعلًا أو معارف موثوقة.
نعم بالطبع لا يمكن الاعتماد على هذا كطريقة وحيدة للمعرفة، لكن هناك مجالات معينة لابد أن يكون صاحب العمل صاحب خبرة بمجاله، كما أعتقد من يدفع مالًا لشراء خدمة يريد أن يضمن أنه لم ينفق ماله هباءً وأن ما حصل عليه من عمل يساوي أو ربما أكثر مما دفع لأجله من قيمة (هذا ما أقابله من أصحاب العمل في الغالب).
يمكن أخذ آراء أصحاب الخبرة فعلًا، لكن بالنسبة للمعارف فقد يكونون من غير ذوي الخبرة أو قد نقع في فخ المجاملات.
المقياس لدي هو من سبقوني وحققوا نجاحًا كبيرًا في المجال. كلما اقتربت منهم اقتربت من الاحتراف.
من يسبقنا هو من يحدد المعايير، ولتكون محترفًا عليك إما أن تكون مثلهم أو أفضل منهم. لا خيار ثالث.
هذه الفكرة تحمل جانبا من الصحة، لكنها تختزل مفهوم الاحتراف في "اللحاق بمن سبقونا" فقط، وكأن الإبداع والتميز لا يكونان إلا من خلال تكرار تجارب الآخرين أو السير على خطاهم.
كما أن ربط الاحتراف دائما بـ"من سبقونا" قد يشعر البعض بالدونية أو بعدم الكفاءة لمجرد أنهم لم يصلوا لنفس الأرقام أو الشهرة، رغم أنهم قد يقدمون محتوى عالي الجودة وفريدا في ذاته.
الاحتراف فى العمل الحر لا يُقاس بالمؤهلات والشهادات الورقية كما هو الحال فى المؤسسات التقليدية، بل يُقاس بالممارسة الفعلية والمهارات والمعايير التى يفرضها السوق والمجتمع المهنى. مثال: المستقلين المصممين لا أحد يسأل عن شهاداتهم بل يُنظر إلى جودة أعمالهم ،و التزامهم بالمواعيد، تفاعلهم مع العملاء ومستوى التطور المستمر فى أدواتهم.
أعتقد أن الاحتراف غير مرتبط بمستوى محدد فقط، بمعنى أنه نسبي مقارنة بالمستوى الذي يسبقه وبالمقارنة بالمستوى العام المحيط، فمثلًا كاتب أو مترجم لمدة خمس سنوات هو محترف لكاتب مبتدئ مثلًا، ولكن متوسط لكاتب آخر يملك خبرة عشرون عامًا، بمعنى أن عامل الاطلاع والخبرة والمشروعات الصعبة في كل مجال، تزيد من احترافية أي شخص، وفي رأيي السبيل إلى الوصول إليها هو بالتعلم المستمر في أي مجال، لا يوجد مستوى محدد يمكن الوقوف عنده وتسميته بالمستوى الاحترافي.
أتفق معك في أن الاحتراف مفهوم نسبي ومتدرج، وأنه لا يوجد سقف نهائي يمكن الوقوف عنده، فالتعلم المستمر والتجربة المتراكمة هما عماد التقدم المهني.
لكنني أرى أن ربط الاحتراف بالسياق المحيط فقط قد يجعل الشخص يُقارن نفسه ببيئات محدودة، بينما الاحتراف الحقيقي في هذا العصر أصبح عالميًا ومفتوحًا، يقاس بجودة الأداء والقدرة على الإبداع وحل المشكلات، لا فقط بالسنوات أو بمن حولك.
العميل هو الحكم الأول والأخير، وسلطة تعريف الاحتراف تكمن في رضاه وتقييمه لتجربته معك، بالإضافة إلى قدرتك على التكيف مع متطلبات المشاريع المتنوعة وإظهار مبادرة وحرص على تطوير مهاراتك باستمرار في بيئة عمل ديناميكية وغير تقليدية.
هذا الرأي يمنح العميل سلطة مطلقة في تعريف الاحتراف، وهو طرح يحمل قدرا من التبسيط المخل. صحيح أن رضا العميل عنصر مهم، لكنه ليس "الحكم الأول والأخير"، لأن تقييمه قد يتأثر بعوامل ذاتية، مثل مزاجه، أو قلة خبرته الفنية، أو حتى توقعاته غير الواقعية.
كما أن ربط الاحتراف فقط برضا العميل يعرض المستقل لخطر التنازلات المستمرة على حساب الجودة أو المبادئ المهنية، في محاولة لإرضاء جميع العملاء، حتى عندما لا يكون ذلك ممكنًا أو منطقيا.
هو ليس تبسيط مخل .. أنت كمستقل لن تنجح إلا بوجود عميل راض عن عملك ((هذه حقيقة واقعية)).
يمكنك أن تسرد عن نفسك ومهاراتك أشعار ولكنها لا تحمل أي قيمة حقيقية (على أرض الواقع) إلا بوجود عميل راض عنك ، ورضا العميل ليس (عنصر مهم) بل عنصر حيوي وفعال ويؤثر سلباً وإيجاباً على مسارك المهني كمستقل .. فإن لم تعي تلك النتيجة فبالتأكيد أنت لديك خطأ في تقييم حقيقة العمل كمستقل ، ونعم أحياناً أنت كمستقل مطالب بتقديم بعض التنازلات مثل (قبول عرض أقل) أو إضافة (مميزات أكثر على عرضك) .. لأنه ببساطة المصدر الرئيسي والوحيد لدخلك .. أما العناصر الأخرى هي عناصر تكمل عملك كمستقل ((هي مهمة وضرورية)) ولكنها ليست أهم بأي حال من رضا العميل عن عملك .. مخالفة تلك النتيجة ستجعلك تخسر الكثير من العملاء مع الوقت .
في بعض المجالات التي يعمل فيها المستقلون، تكون هناك معايير واضحة ومحددة يجب اتباعها، مثل تصميم المواقع أو تطوير البرمجيات، حيث تكون الأدوات والتقنيات التي ينبغي استخدامها معروفة مسبقًا لضمان الجودة المطلوبة. على سبيل المثال، في تطوير تطبيق موبايل، يوجد مجموعة من الأدوات والبرمجيات التي يجب استخدامها لتحقيق الأداء المطلوب.
لكن في مجالات أخرى، لا تكون هناك معايير ثابتة، ويعتمد المعيار على الاتفاق بين العميل والمستقل حول نتيجة العمل. ما يميز المستقل المحترف عن المبتدئ هو قدرته على تحقيق هذه المعايير بكفاءة، واستخدامه للأدوات الصحيحة، سواء كانت تقنيات أو برامج. المستقل الخبير هو من يعرف كيف يختار ويستثمر في الأدوات المناسبة ويستفيد من إمكانياتها بأفضل طريقة ممكنة، بما في ذلك البرامج المدفوعة التي توفر ميزات قوية لدعم تنفيذ المشروع.
التعليقات