كنت في الخامسة عشرة من عمري، وكان يكبرني بخمسة عشر عاما.. كان هذا أول عهدي به، لم نلتق أبدا من قبل رغم قرابته من أبي.. لسبب ما أجهله صار يتردد علينا كثيرًا آنذاك... أحببت حديثه وطرافته وثقافته و و ... صرت أنتظر يوم قدومه لزيارتنا التي صارت شبه أسبوعية.. في ذلك اليوم قررت أن أبدو له بمظهر جميل.. توجهت إلى مرآة غرفتي وأخذت أنسق شعري وأنعمه بمجفف الشعر... وأثناء اندماجي في مهمتي الأنثوية اللطيفة إذ بي أجد أمي واقفة بباب غرفتي ترمقني بنظرة غريبة متسائلة فيها شيء من الحدة والاستنكار دون أن تنطق بكلمة .. فسرت نظرتها لحظيا.. لم يعجبها حرصي على إظهار جمالي وزينتي لأكون في استقباله.. قرأت في عينيها السؤال والإجابة بل واللوم أيضًا كل في آن واحد.. ذهبت أمي وتركتني.. ثم .. لم يعد لدي رغبة في أن أكمل تصفيف شعري، جمعته كما كان وعدت لأجلس إلى جوارها، كما لو كنت أريد أن أثبت لها أنني ما زلت ابنتها المهذبة، ابنتها التي لا يمكن أن يخفق قلبها في هذا السن الصغير لشاب يكبرها بخمسة عشر عامًا.. عندها فقط نطقت أمي بسؤالي: لم لم تكملي تصفيف شعرك؟.. أخبرتها بأنني شعرت بالملل وفقط!

مر على هذا الموقف زمن طويل.. لست أدري ما الذي ذكرني به أصلًا، وجدتني أحلل هذا الموقف بعقلي الناضج الذي اكتسبته بمرور السنين وأتساءل: هل كنت مخطئة؟.. أجبت نفسي: لا .. لم أكن كذلك.. كانت مرحلتي العمرية تحتم علي المرور بمثل هذه المشاعر.. شيء عادي ولا غرابة فيه.. هل كانت أمي محقة؟ .. لا. بكل تأكيد لم تكن محقة.. لماذا أشعرتني بالذنب، لماذا رمقتني بنظرتها تلك التي أخافتني يومها، وأشعرتني بالذنب، بل وجعلتني أظن حينها أن مشاعر الإعجاب أو حتى بداياته والتعبير عنه ولو أمام أمي هو أمر معيب؟

أظن أن موقف أمي مني حينها يتكرر في بيوت كثيرة.. ما منبع هذا التصرف؟... هل هو الحرص الشديد على غرس الفضيلة في الأبناء؟ .. هل هو خوف الأهل من أن تتطور مشاعر أبنائهم على نحو لا يرضونه؟.. ماذا لو كان لأمي أو غيرها من الأمهات والآباء موقفا آخر للتعامل مع مشاعر أبنائهم المراهقين والمراهقات بتفهمها واحتوائها.. لماذا يغلقون باب الحوار ويشعرونهم بالإثم لمجرد أن قلوبهم الصغيرةتحركت..!