بين بستان ورود حمراء ظهر (نيك) فتى التسع سنوات ، ذو شعر كسواد الليل مبعثر بشكل لطيف ، بشرة قمحية فاتحة قليلاً ، وأعين عسلية لامعة ، تعالت ضحكاته و هو يلعب و يركض وراء الفراشات التى ملئت المكان ، كان قلبه يرقص داخله من فرط سعادته .

تنبه لصوت والدته القادم من بعيد شيئاً فشيئاً يُناديه : نيك ... نيك ... نيك ...

لكن أين هى والدته لا يراها ! ، ليجد فجأة ضوء ساطع متجهاً نحو عسليتاه فيغلقها فوراً ، وضع يده على وجهه ليشعر أخيراً بنفسه و هو مُدد على فراشه و أمه تقف أمامه بعدما فتحت النافذة سامحة لأشعة الشمس دخول غرفته فرك عينيه بخفة و فتحهما بعدما أستوعب كمية الضوء ليرى أمه واضعة يدها حول خصرها و على ملامحها الإنزعاج فيقول بصوت مازال به النعاس : صباح الخير أمى .

لتقول و مازلت ملامح الإنزعاج على وجهها : صباح الخير ، ألم تسمعنى و أنا أناديك نيك ؟

ليقوم من فراشه ليحتضنها و يقول : أنا آسف أمى كنت بحلم رائع به فراشات و ورود .

إبتسمت (ريتا) بعد ما سمعته من صغيرها كما أن عناقه لها أنساها إنزعاجها منه لا بل العالم أجمع ، فرحت لأن صغيرها يعلم كيف يراضيها ، لتنزل لمستواه و تقبله على خده الصغير و تقول : ماذا أفعل بهذا النيك هاااا ؟

حدق (نيك) بزرقاوتى أمه و هو يرى لمعتهما فأبتسم لقبلتها و كلماتها ، أاااه كم هو محظوظ بأم كهذه ، ليبادل فبلتها بمثلها على خدها الوردى ليقول بصوت طفولى : أحبك أمى .

إبتسمت (ريتا) و داعبت أنف صغيرها و بادلته بقولها : أحبك أكثر بُنى ، و الأن هيا ما عليك فعله الان هو الاستعداد للمدرسة .

عبس نيك و أنزل نظره للأرض و قال بتذمر : ااااااااه امى المدرسة مملة ، كما أن زملائى يخالونى غريب الاطوار .

عبست (ريتا) لعبوس طفلها و تضايقت لأن طفلها يتعرض للتنمر و قالت : غريب الأطوار ! صمتت قليلاً ، ثم رفعت وجه (نيك) بإصبعها لتقول بإبتسامة خفيفة : انظر إلى ، ما المشكلة فى أن تكون غريب أطوار ! ، العالم بحاجة لغريب أطوار .

ابتسم (نيك) لسماع كلمات أمه لكن لم تدم تلك الإبتسامة و إلا وذهبت عند تذكره لكلام زملائه "أنت لا شيئ" "غريب أطوار" "نهايتك بمكب قمامة" "أتحسب نفسك ذكباً !" "لا يحتاج العالم لغبى مثلك" ، تنهدت (ريتا) فهى تعلم ما يدور برأس طفلها لذا أخذت وجهه الصغير بيدها و قالت بعدما ثبتت عينيها داخل خاصته و كأنها تُحدث روحه الحزينة : اسمع ، أباك بالخارج يحافظ على سلامة الحى ، لكن يوماً ما أفكارك ستحافظ على سلامة العالم بأكمله و حينها سيتمنى الجميع أن يصبحوا غريبى الأطوار مثلك .

نظر (نيك) بأعين أمه و كأنها سماءه وحده ، وجد فيها طمأنينة لم و لن يجدها خارجها ، لكن لازال به شك مما تقوله لذا قال و هو غائص بتلك الأعين كما لو كانت إجابته بداخلهما : هل تظنى ذلك ؟

اقتربت (ريتا) من وجه صغيرها أكثر و أكثر إلى أن وصلت لأذنه فهمست بها : بل أعرف ذلك . لترجع رأسها أمام طفلها و مازال وجهه بيدها فتراه مبتسم و الخوف الذى كان بعينيه زال ، فتركت وجهه و فتحت ذراعيها لتقول بسعادة : و الأن ، أعطنى عناق كبير جدا ً ليُلبى (نيك) طلبها بسعادة فتقول و هى تربت على ظهره : و الأن عدنى أنك لن تستمع لأحد منهم ، لن تدع أحد يُضايقك ثانية ، أتفقنا .

شد (نيك) العناق و قال : أعدك أمى ، لن أدعهم يؤثرون بى ثانية .

فصلت (ريتا) العناق و قبلت أبنها قبلة خفيفة و قالت بصوت حنون : هذا هو ابنى ، و الأن هيا ، سأنتظرك بالأسفل لا تتأخر .

ابتسم (نيك) و قال : حاضر أمى ، لتدر (ريتا) ظهرها له لتخرج و تغلق ورائها الباب ، فعل (نيك) روتينه المعتاد ، أستعد و نزل الدرج ليجد أمه و والده على الطاولة بإنتظاره ليجلس معهم (نيك) و يوجه كلامه إلى أبيه : صباح الخير أبى .

عند سماع (ريتشر) صوت صغيره ، وضع جريدته جانباً و قال و هو يضع قبلة على خد أبنه : صباح الخير صغيرى .

أبتسم (نيك) و قال : أبى ، همهم (ريتشر) ليكمل (نيك) : أنت تعمل شرطى لكن أنا سأكون عالماً ، أبتسم (ريتشر) لأنه علم عما يتحدث عنه هذا الصغير فقد أخبرته (ريتا) ما حدث ليقول بفخر : و أنا سأكون فخوراً بأبنى منقذ العالم ، ليضحك الجميع على ما قاله (ريتشر) ، أنتهوا من الفطور ليذهب (نيك) مع والده .

دخل (نيك) مدرسته مبتسماً لن يدع أحداً يأخذ هذه الإبتسامة منه الأن بعد ما سمعه من أمه و أباه ، وقف (ريتشر) أمام البوابة يُشاهد صغيره يتقدم للداخل مبتسماً و عندما أختفى عن ناظره ذهب ليباشر عمله .