في إحدى الأمسيات، كانت "هالة" تجلس في زاوية مقهى هادئ، تتأمل وجوه الناس من حولها. بجانبها تجلس صديقتها منذ سنوات، تتحدث بلطف، تضحك، وتشاركها تفاصيل يومها. كل شيء يبدو طبيعيًا، لكن داخل هالة، هناك شعور لا يمكن تجاهله… شيء يشبه الغربة، رغم القرب.

وفي نفس الأسبوع، تعرّفت على فتاة جديدة في الجامعة. اللقاء الأول كان عاديًا، لكن الحديث انساب بسهولة، والضحك خرج دون تكلّف، وكأن بينهما ألف حكاية غير منطوقة. شعرت معها براحة لم تشعر بها مع من تعرفهم منذ زمن.

هالة لم تكن تعرف كيف تفسّر ذلك. لا يوجد سبب واضح، لا موقف سلبي، لا اختلاف كبير. فقط شعور داخلي، لا يُشرح بالكلمات. بدأت تلاحظ أن هذا يحدث كثيرًا: ترتاح لأشخاص دون مقدمات، وتنفر من آخرين رغم كل المحاولات للتقارب. ليس الأمر متعلقًا بالمظهر، ولا بطريقة الكلام، ولا حتى بالتصرفات. هو شيء أعمق… شيء يشبه التردد الذي تشعر به قبل أن تفتح قلبك، أو الاطمئنان الذي يغمرك دون أن تدري لماذا.

ربما هو توافق في الطاقة، أو انسجام في الإيقاع الداخلي، أو مجرد انعكاس لما نحتاجه في تلك اللحظة. أحيانًا، شخصٌ ما يجعلنا نشعر بأننا مضطرون لأن نكون نسخة محسّنة من أنفسنا، فننغلق. وأحيانًا، شخصٌ آخر يجعلنا نشعر بأننا مقبولون كما نحن، فننفتح.

المشاعر لا تتبع المنطق، ولا تُصنَع بالإرادة. الراحة لا تأتي من كثرة اللقاءات، بل من لحظة واحدة صادقة. والنُفور لا يعني رفضًا، بل ربما عدم انسجام لا نملك تفسيره.