يمكن لعينين جميلتين بنظرة ودودة حانية أن تأسر الشخص المقابل وتصنع يومه. ويمكن لنفس العينين بنظرة مختلفة أن تحطم ثقته بنفسه وتثير الحزن بداخله. لكن ما يجري على أرض الواقع في كثير من بلدان العالم، هو أن عيون المارة تحملق فيك كما لو كانت أعين صقور مفترسة تتأمل حركاتك وسكناتك بغية الانقضاض عليك!

تشيح بنظرك بعيداً فتلاحقك تلك النظرات المتطاولة أو الساخرة أو الحاسدة أو حتى الناقمة على شيء فيك لا تدركه. ولا بأس أبداً إن كنت محصناً بدرع يحميك من تلك السهام الموجهة إليك. لكن إن كنت شخصاً رقيقاً تعاني تحديات نفسية أو صحية معينة، فإن تلك العيون المتطفلة دون استئذان ولا أدب تصبح سلاحاً فتاكاً يمكن أن يؤذيك بشدة.

إذا زرتَ بلداً غربياً ذات يوم، فأول ما ستلاحظه هو أن غالبية المارة لا يحدقون فيك نهائياً. فمن عادة تلك الشعوب اعتبار الحملقة إهانة أو قلة ذوق. بينما العكس يجري في بعض بلدان العالم الثالث، حيث يحدق فيك بعض المارة بطريقة مستفزة، كأن الواحد فيهم سيلاحقك حتى عقر دارك. وإذا بدأت بالنظر إليه كما يفعل، فإن طبول الحرب دقت ليبدأ صراع الجبابرة (لن يبعد نظره عنك حتى تشيح بنظرك أولاً)، كأنما أنت البادئ، والبادئ أظلم!

ربما يظن بعضكم أن تلك النوعية من النظرات مجرد فضول (حشرية) مثلاً، لكنها في الحقيقة تعكس سلوكاً خاطئاً يمكن أن يؤثر بشكل سلبي على نفسية كثير من الناس، على رأسهم من تعوزهم الثقة بالنفس، والذين يعانون الرهاب الاجتماعي، ومن يكابدون حالة صحية مزمنة تجعلهم يخجلون ويتوترون حين يصوّب الآخرون نظراتهم الحادة تجاههم.

البارحة مساء، بينما كنت أسير خارج المنزل الساعة 12:30 بعد منتصف الليل، ظهر شخص أمامي فجأة وهو يسير بعكس اتجاه سيري، ويبدو بيد واحدة فقط (لم أحدق إليه، فقط لمحته). لكن بمجرد أن رفع نظره بشكل عفوي ناظراً بنفس الاتجاه الذي أسير فيه، نظرت في اتجاه آخر حتى لا يشعر أنني أتفحص جسده، فأجرحه بنظراتي دون قصد. نفس الموقف يتكرر في مواقف مختلفة، حيث أمتنع عن تركيز النظر على أي إنسان يعاني مشكلة صحية أو تبدو عليه علائم الخجل والتوتر، حتى لا أجرحه أو أضايقه أو أبدو كمن يتنمر عليه (كما يفعل بعض الرجال بفرض نظراتهم على الغير، كأنه نزال لاختيار الأقوى).

ما فعلته ليس تصرفاً بطولياً، بل واجب إنساني علينا التزامه جميعاً. فعيناك موجودتان لكي تبصر بهما لا لكي تسحق بهما، وحتى ترى الجمال وتقدره لا لتترصد الآخين وتحرجهم، ولترسل نظرات الود والاحترام لا لتفرض نظرات التطفل والتنمر.