في ليلٍ لا يرحم، حيث تختلطُ صرخاتُ الجوعِ بخفقاتِ القلب، ينسحب بعضُ الناس كظلالٍ باهتةٍ إلى أحضان ما يخففُ ألمهم ولو لحظةً واحدة — مخدّراتٌ تبلّعُ الوجع، أو قرارٌ خطيرٌ ببيعِ ما في الجسد من ذُخرٍ باسم الحاجة. هكذا تبوحُ الحياةُ ببعض أسرارها القاسية: الفقرُ والبطالةُ ووجعُ الحاجةِ تنحتُ في الإنسان طريقًا مُعتمًا، والخياراتُ التي تبدو مستحيلةً لهؤلاء لا تنبعُ من طمعٍ فقط، بل من يأسٍ يصرخُ بصوتٍ لا يسمعه أحد.

ثم هناكُ الجراحُ التي لا تُرى؛ صدماتٌ قديمةٌ، عنفٌ مخفي، وحضورُ صمتٍ طويلٍ يُعلم النفسَ أن تهدأ بطرقٍ مؤذية حتى لا تنفجر. والوصمةُ — ذلك الخجلُ الذي يُقيّدُ الألسن ويُقفلُ الأبواب — تمنعُ من يلجأُ إلى طلبِ المساعدة، فتظلُّ المأساةُ دائرةً لا تنكسر. وفي بعضُ الأزقّةِ، لا بدائلَ واقعية: لا مأوى، لا عمل، لا علاجٌ يدفئُ الجسدَ المتهالك. فتصيرُ المخاطرةُ بشيءٍ ثمينٍ أو البحثُ عن مخدّرٍ مريحٍ، خيارًا يبدو أمامهم أقصرَ الطرق إلى الهدوء المؤقت.

ولماذا لا يسمعُ أحدٌ صراخَهم؟ لأنّ المجتمعَ أحيانًا يُصرُّ على القسوةِ بدلَ الرحمة؛ يلمزُ، يحكمُ، ويغلقُ نوافذَ الحوار. ومن يرغبُ بالمساعدة قد لا يمتلكُ أرقامَ المراكزِ أو لا يثقُ بمن يمدُّ له يدَ النجدة. وحتى النوايا الحسنة قد تُصطدم بنقصِ مواردٍ حقيقيةٍ تقي الشخصَ شرَّ الانزلاق.

ولكن ما العملُ؟ كيف نمنعُ الانحدارَ بدل أن نزيدَهُ قهرًا؟ أقولُ: بالبساطةِ الشجاعةِ التي تُربتُ على كتفِ المكسورين. اسمعْ أولًا بلا حكمٍ — استمعْ كما لو أنّ الآذانَ قلوبٌ قادرةٌ على احتواءِ الجراح. اعرفْ أيَّ خدماتٍ يمكنُ أن توصِلَهُ بالأمان

إن أردتَ أن تخطُ رسالةً لناسِك؛ قلها هكذا بلطفٍ: «لا أحكم عليك، أريد أن أفهم، هل تسمح أن أكون معك؟ لن تكونَ وحدك». أو ضعْ لزملائك نموذجَ منشورٍ بسيطٍ: «لا نحكم، نساعد — إن احتجتَ، تواصل معنا في [المرجع]».