لم تكن تحمل من الدنيا سوى ضحكتها، ولا من الطفولة إلا عبثها البريء بين ذرات الرمل…
كانت "غيثة" ابنة الأربع سنوات، ترسم على شاطئ سيدي رحال فصلاً من براءة الصيف، حين باغتتها سيارة رباعية الدفع تجر دراجة مائية، تخترق المكان الذي يفترض أن يكون ملاذًا للهدوء، وتدهسها أمام أنظار والدَيها…
كأن الحياة لا قيمة لها حين تُهدَر في وطنٍ تعلو فيه أصوات المحسوبية على صوت الإنسان.
سقط الجسد الصغير أرضًا، وانطفأ كل شيء.
نُقلت غيثة وهي بين الحياة والموت، إلى مستشفى خاص في الدار البيضاء.
كان النزيف داخليًا، والجمجمة مكسورة، والغشاء الدماغي قد تضرّر، فتقرّر إجراء عملية جراحية مستعجلة لإنقاذ ما تبقى من الطفولة الممزّقة.
لكن، كما لو أنّ الألم لا يكفي، جاء الظلم في صورة أبشع:
تصريح بارد من إحدى قريبات السائق:
"عندنا الفلوس"...
كأن المال يعوّض الكسور، ويشتري القلوب، ويحمي من العدالة.
ذلك التصريح لم يكن مجرد جملة، بل كان صفعةً في وجه كل من صدّق يومًا أن الوطن للجميع.
صفعة في وجه القانون، في وجه الأمل، في وجه كل أمٍّ حلمت بشاطئ آمن لطفلها.
غيثة لم تكن وحدها الضحية، بل كلنا كنا كذلك…
ضحايا نظام يتهاون في تنظيم الفضاءات العمومية،
ضحايا واقعٍ يسمح بدخول السيارات إلى مناطق مخصصة للناس،
ضحايا صمتٍ عام، لا يُكسر إلا حين يسقط جسد صغير في بركة دماء.
اليوم، خرجت غيثة من المستشفى، بجسدٍ نجا، لكن بروحٍ تئنّ…
ولا تزال آثار الكسر تسكن داخلها، وفي قلب أمّها، ودموع والدها.
خرجت وسط دعوات الملايين، وحملة تضامن إلكترونية ترفع وسم:
#العدالة_لغيثة
تطالب بمحاكمة عادلة، لا تشفع فيها الألقاب ولا الأموال،
محاكمة تُثبت أن حياة الأطفال ليست ورقة في لعبة المصالح.
غيثة اليوم هي الاسم، لكن من يضمن أن الاسم القادم لن يكون ابنك أو أخاك أو طفلتك؟
من يضمن ألا تتكرّر المأساة في موسم الاصطياف القادم، إذا استمرّ هذا الاستهتار، واستمرّ هذا السكوت؟
نحن لا نطلب الكثير… فقط:
أن تُحترم الطفولة.
أن يُحمى الضعفاء.
وأن لا يُدهس العدل تحت عجلات اللامبالاة.
غيثة، يا صغيرة الوطن،
أنتِ جرحنا الذي أيقظ فينا الغضب النبيل…
وقصتكِ لن تُنسى،
حتى يعود الشاطئ شاطئًا…
والوطن وطنًا لا يُشرى بثمن.
التعليقات