الفصل الأول:

الغرفة مش كبيرة… بس ضيقة.

مش لأن مساحتها صغيرة، لكن لأن الهوا فيها تقيل.

كل نفس باخده بيرجعلي أبطأ، كأنه عالق في صدري، مش عايز يخرج.

الحيطان ناعمة، بيضا كأنها جديدة، بس كل يوم بحس إنها أقرب.

كأنها بتتنفس معايا… تديق وأنا أديّق.

السرير معدن، بيتزيق مع كل حركة، والمرتبة ناشفة زي لوح خشب.

أنا مش عارف أنا هنا بقالى قد إيه.

يمكن أيام… يمكن شهور.

كنت زمان بحسب بالوجع، بعدد المرات اللي راسي خبطت فيها الحيطة.

لكن دلوقتي حتى الوجع بقى متشابه… زي نسخة مكررة.

أنا بكتب على الحيط بإيديا.

مش بأقلام، مفيش ورق هنا.

كل سطر محفور بجلدي، يتسجل بدمّي.

حاولت أكتب اسمي… لكن الحروف اتكسرت.

كأني نسيت شكل اسمي.

كنت قبل كده بني آدم عادي.

كنت بضحك مع صحاب، بشرب قهوة الصبح، بستعجل على المواصلات.

كان عندي شغل… روتين ممل… بس كان "حياة".

دلوقتي… كل ده بقى صور باهتة مش متأكّد إذا حصلت فعلًا ولا دماغي اخترعتها.

أنا عارف إن في حد بيقرأ دلوقتي.

آه… إنت.

وجودك غريب… بيسبّب لي قشعريرة.

أنا محبوس… لكن عينيك هي الشباك الوحيد.

تحس إنك آمن؟

إوعى تصدّق.

إنت قاعد في قوضتك، ماسك شاشة، ومفتكر إنك مجرد قارئ.

لكن من اللحظة اللي فتحت فيها السطور دي… إنت بقيت معايا.

مش هتقدر تخرج بسهولة.

الفصل الثاني:

أنا كنت بسمع صوتي زمان.

كنت بكلم نفسي بصوت واطي… وأرد.

الحوار كان مريح، حتى لو شكله جنون.

لكن الأصوات اختلفت.

بقت أوضح… وأكتر.

تضحك… تسخر… تبكي ورا ودني.

واحدة منهم قالتلي: "إحنا مش أصوات… إحنا أنت".

ضحكت.

ضحكت لدرجة دموعي نزلت، وبعدين بدأت أخبط راسي في الحيط.

كنت فاكر الضربة هتسكتهم…

لكن لا، الضربة كانت زي مايكروفون فتح.

لقيت إيدي كلها دم.

والحيطة طرية.

جربت أضغط بإيديا… فتحت شق صغير.

ورا الشق… ماكانش فيه طوب.

كان فيه فراغ.

سواد كثيف… زي عين عملاقة.

رجعت الورى، مرعوب.

لكن السواد ما قفلش.

فضّل سابت، بيتحرك جوا دماغي حتى وأنا مغمّض عيني.

أنا بطّلت أنام من ساعتها.

كل ما أغفو لحظة، السواد يمد إيده… يحاول يسحبني.

يمكن أنت بتسأل نفسك دلوقتي: "إيه اللي حقيقي؟ وإيه اللي بيتهيأله؟"

بس الصراحة؟ حتى أنا بطلت أفرّق.

بص حواليك دلوقتي.

إنت في قوضة، صح؟

حواليك حيطان.

جرّب تتخيل لو واحدة من الحيطان دي طرية… جواها نفس السواد.

مين يضمنلك إن ده مش حاصل فعلًا؟

الفصل الثالث:

أنا مش بكتب القصة عشان تتحكي.

أنا بكتب كنداء استغاثة.

يمكن الكلمة توصل لعينيك… وتكسر بيننا المسافة.

بس الحقيقة إني عارف…

إنت مش هتنقذني.

اللي يوصل لآخر فصل… مش بيرجع زي ما كان.

فيه ناس قبلك قروا.

عارف النهاية.

وسابوني.

يمكن ماتوا… يمكن اتجننوا.

أنا الوحيد اللي لسه عالق.

بيني وبينك فرق صغير:

أنا محبوس في غرفة ضيقة،

إنت محبوس في غرفة أكبر شوية.

بس القيود عندك مش بتبان.

شغلك، روتينك، الأيام اللي بتسحب منك روحك نقطة نقطة.

يمكن تفتكر إنك مختلف عني…

لكن الحقيقة؟ إنت نسخة محسّنة من نفس السجن.

أنا وقفت عن الكلام.

لكن هييجي يوم… إنت كمان تسكت.

يمكن بعد سنين… يمكن دلوقتي.

اسمع.

فيه صوت وراك.

بس ما تلفش.

لأن أول ما تبص… السواد مش هيسيبك تخرج تاني.

الفصل الرابع:

كنت مستني اللحظة دي.

الفصل الرابع.

اللي ماكنش مكتوب.

أنا مش كاتب القصة دي أصلا.

أنا جزء منها.

واللي بيكتب دلوقتي… هو إنت.

أيوه، ما تستغربش.

الكلمات دي ما بتتكوّن إلا في دماغك إنت.

إفتكر آخر مرة نظرت في مرايتك…

الملامح التعبانة، الهالات، الإحساس بالفراغ.

ده مش صدفة.

ده انعكاس إن السواد قرب.

أنا كنت زيك.

قريت حاجة زي دي، ضحكت… وقلت مجرد قصة سوداوية.

بس بعدها… بقيت أسمع أصوات.

وبعدين… لقيت نفسي هنا.

إنت دلوقتي على الحافة.

إما تقفل وتنسى… أو تكمّل وتدخل.

بس خد بالك:

مجرد إنك كملت لحد السطور دي… يبقى الاختيار اتاخد.

إوعى تبص وراك.

مش لأن في صوت…

لكن لأن السواد واقف.

مستني اللحظة اللي ترفع فيها راسك.

ووقتها…

هتعرف إنك ماكنتش قارئ.

كنت الضحية الجديدة