كانت الذكريات دومًا نائمة في مقابرها… صامتة، متكومة في زوايا الذاكرة كجثث باردة. لا تنهض، لا تتنفس، ولا تؤذينا… إلا إن تجرّأنا على الحديث عنها.فبمجرد أن نهمس بها، تفتح عيونها، وتخرج من ترابها، وتبدأ في مهاجمة ما تبقّى من هشاشتنا. لكنها لا تأتي دائمًا بنفس القوة. كل شيء يتوقف على التوقيت.حين نتحدث عنها ونحن ما زلنا تحت الأنقاض، حين ما زال الألم طازجًا والروح تنزف، يصبح الكلام عنها طعنًا إضافيًا. نبدو كمن يقفز داخل الجرح المفتوح ويصرخ… كأننا نستدعي المزيد من الألم بأيدينا المرتجفة.
ننظر للعالم من خلف زجاج مغبر، نرفض التصديق، نُقاوم الفقد، نلبس جلد الضحية ونمشي بثقل حكايتنا. كل شيء يئن: الجسد، القلب، والنفس التي لم تهضم الصدمة بعد.
لكن حين يأتي الحديث بعد الشفاء، يصبح مختلفًا تمامًا.
نتحدث بلا انكسار. نُقصّ الحكاية كأنها شيء لا يمسّنا، كأننا كبرنا عليها. نضحك أحيانًا، نتأمل أحيانًا، وندرك أننا كنا مخدوعين في من كنا نظنهم النور. نراهم على حقيقتهم الآن… لا يثيرون فينا شيئًا، لا غضب ولا حنين، فقط فراغ كأنهم لم يمرّوا.
لهذا… لا توقظ ذكرياتك من نومها قبل أن تكون جاهزًا لرؤيتها بعين ناضجة وقلب غير مذعور.
فالذاكرة، حين تُستدعى في الوقت الخاطئ، لا تشفي… بل تفتك لأنها مدفونة في قبورها حتى نبدأ بالحديث عنها فتنهض لتهاجم مكامن الضعف فينا.
التعليقات