يُعتبر التشتت ظاهرة من ظواهر هذا العصر، ويعاني منه الآلاف من الناس. وتتكرر كثيرًا أسئلة مثل: كيف أتخلص من التشتت؟ ما سببه؟ لماذا نتشتت؟ وغيرها.

ما أسباب التشتت؟

يرجع التشتت إلى عوامل كثيرة قد يكون أغلب الناس على علم بها، وتُعدّ مواقع التواصل الاجتماعي المتّهم الرئيسي في ذلك. كيف لا، ونحن نتعرّض يوميًا لمئات الفيديوهات القصيرة، أو ما يُعرف بـ "Reels"، وقد يصل عددها إلى الآلاف. ننتقل من منصة إلى أخرى باحثين عمّا يُرضينا أكثر، أما الأخطر فهو محتوى هذه الفيديوهات: فتارةً مقطع مضحك، وآخر محزن، بعضها يحتوي على موسيقى وأخرى آيات من القرآن، ثم نتساءل ببراءة: لماذا نتشتت؟

لكن مواقع التواصل ليست السبب الوحيد، رغم أنها السبب الأكبر بالنسبة إليّ. هناك عوامل أخرى، وأهمها في نظري: كثرة المصادر وتوفر المعلومة.

إذا كنت متعلمًا ذاتيًا مثلي، فلا شك أنك لاحظت ذلك. خذ كمثال تعلم اللغة الإنجليزية: ما عليك إلا ضغطة زر واحدة لتصل إلى آلاف الفيديوهات، الكتب، والبودكاست.

رغم إيجابية هذا الأمر، ومجانيته مقارنة بالماضي، إلا أن كثرة الخيارات تصيب المتعلم بالتردد والارتباك، فيتراجع عن الهدف بدلًا من أن يواصل.

هناك أيضًا المدخلات المتعددة من مواقع مختلفة، وسماع البودكاست في مواضيع متضاربة، وقراءة كتب بلا هدف، وكلها تسهم في التشتت، لكنني ركّزت على العاملين اللذين أثّرا عليّ شخصيًا أكثر من غيرهما.

كيف نُخفف من التشتت؟

بعد أن فهمنا خطورته وتعرفنا على أسبابه، إليك بعض الحلول التي جرّبتها شخصيًا، بعضها قرأتها في كتب أو سمعتها من أخصائي. هي مجرد خطوات بسيطة، لكنني شعرت بتأثيرها وأتمنى أن تفيدك أيضًا:

1. التقليل من المدخلات

كثرة المدخلات وتنوعها تشوّش العقل وتمنع التفكير الواضح. تقليلها يساعدك على توجيه تركيزك لما هو مهم فعلًا.

2. قضاء فترة بدون مواقع التواصل

جرّب أن تبتعد عنها يومًا أو يومين، وربما أسبوعًا أو أكثر. إن كنت صاحب إرادة، فشهر كامل سيكون رائعًا. يمكنك أيضًا تقنين وقتك باستخدام مؤقت الهاتف، أو تحديد وقت معين لاستخدامها، مثل بعد إنجاز مهمة محددة، كمكافأة.

3. التدوين والتفريغ الذهني

الكتابة تفعل ما يشبه الطيران فوق زحمة القطار؛ ترى المشهد بوضوح من الأعلى. أفرغ كل ما يشغلك على الورق، واكتب الحلول الممكنة أمام كل أمر، سترى كيف يتّضح لك كل ما كان معقّدًا في ذهنك.

4. العزلة الهادئة

ابتعد عن كل المشتتات، واجلس مع نفسك دون أن تفعل شيئًا. الأمر يبدو بسيطًا، لكنه عميق حين تجربه. اصطحب ورقة إن أحببت، أو فقط اجلس في صمت لتستمع لأفكارك.

5. المشي دون هدف

المشي يساعد كثيرًا في تصفية الذهن وترتيب الأفكار. امشِ دون وجهة، وتنفس بعمق، وستشعر بتغير حقيقي.

6. التنفس العميق

قد يبدو بسيطًا، لكنه فعّال. جرب أن تتنفس ببطء: خذ نفسًا عميقًا من بطنك وأنت تعدّ حتى 4، احبسه لنفس المدة، ثم أخرجه وأنت تعدّ 4 مجددًا. جرب ذلك في أي مكان، فهو لا يحتاج وضعية أو طقوسًا معينة.

7. قائمة المهام

التشتت قد ينتج عن كثرة المهام غير المرتبة. ضع قائمة مهام قصيرة، مرتبة بالأولوية، وراعِ قدرتك الواقعية. ضع علامة صح بجانب كل مهمة تنجزها، لتشعر بالإنجاز وتبني عادة التركيز.

ختامًا:

هذه بعض الوسائل التي ساعدتني شخصيًا. لن أعدك بأن التشتت سيختفي، فطالما نحن نستخدم التكنولوجيا، سيبقى التشتت تحديًا دائمًا. لكننا نستطيع أن نتحكم فيه قدر الإمكان.

انتبه لحياتك، واستمتع بها، ولا تسمح للإنترنت أن يبتلعك داخل سراديبه المظلمة.