ربما ستتعاطفون معي في البداية، ثم تسبونني في النهاية.
ولكن جميع التفاصيل التالية لن تفيد أحد حتى أنا، لكني أكتبها فقط لأخرجها من عقلي.
بداية الألم:
في يناير ٢٠٢٠م، شعرتُ بألمٍ شديد أسفل الظهر، مع خدر في قدمي اليسرى.
ذهبتُ إلى طبيب، وقمت بعمل الإشاعات اللازمة، وكانت النتيجة: انزلاقان غضروفيان أسفل الظهر في الفقرات L4/L5 , L5/S1.
طمأنني الطبيب، وأعطاني الدواء لمدة ٧ أشهر، واختفى الألم.
بعد حوالي شهرين، عاد الألم، فعدتُ إلى الطبيب، وتناولت الدواء لمدة ٨ شهور.، واختفي الألم.
في شهر يوليو ٢٠٢١ تقريبًا، بدأت معاناتي الحقيقية.
رحلة العلاج واللاجدوى:
ألم شديد في منطقة الحوض، من الأمام والخلف، مصدره مفصل الحوض.
لم أعد أستطيع الوقوف، أو الجلوس، أو الحركة، أو النوم.
كل شيء تكون نتيجته ألم.
لا أستطيع حتى ارتداء أي بنطال، لأن الشريط المطاطي (الاستك) أو الحزام يسبب ألمًا.
ذهبتُ إلى أكثر من طبيب، وفي أكثر من تخصص: عظام، ومخ وأعصاب، وباطنة، وحتى المسالك البولية.
وكانت النتيجة: لا شيء. لا يعرفون سبب هذا الألم.
البعض يقول: ربما بسبب الغضروف، والبعض يقول: ربما ضعف عضلات، والبعض لا يعرف.
لكن اتفق جميع الأطباء على أنهم لن يقوموا بعملية جراحية، طالما أستطيع السير طبيعيًا، حتى أن الأشعة لا تدل على سبب لهذا الألم.
قمت بكل شيء، أجريت الكثير من الإشاعات اللازمة، تناولت شتى أنواع الأدوية،
قمت بتمارين لتقوية عضلات الحوض، وقمت بجلسات العلاج الطبيعي.
كان آخر اقتراح من أحد الأطباء أن يقوم بحقن كورتيزون في الظهر لتقليل الألم، ولا يعلم هل سينجح أم لا.
ولكن، لو نجح، فهو غالبًا مؤقت، ويجب أن أُكرر الأمر كل عدة أشهر،
كما أن هناك مخاطرة لتسريع إصابتي بمرض السكري، لأنه أمر وراثي بسبب كثرة الكورتيزون.
لكنني رفضت، لأنه لم يعد لدي المال، ولأضراره المحتملة.
وفي لحظة ضعف شديدة، شعرت أن هذا الألم، ربما يكون نتيجة لشئ فعلته يوما ما.
فوجدت ذاكرتي تعود بي إلى عام ٢٠١٥
الذكرى التي تطاردني:
عندما دخلتُ إلى المدرسة الثانوية، كان هناك معلمة مادة التاريخ،
كانت تمشي بسرعة كبيرة رغم بدانتها،
فعندما يحين موعد حصة الألعاب، تأتي وتستولي على وقت هذه الحصة لتشرح فيها.
ولم يكن هذا حبًا فينا، لكنها كانت تريد الانتهاء من المنهج باكرًا لترتاح.
ووصلت وقاحتها أنها كانت تساومنا عندما نعترض، فتقول:
"اقعدوا ساكتين علشان أخلص بسرعة، وممكن تلحقوا تلعبوا عشر دقايق في الآخر".
كنت أشعر بالغضب الشديد منها، فكنت أدعو عليها دائمًا أن يشلها الله.
فتلك القدمين هما ما تستخدمهما لتأتي جريًا بمجرد سماع صوت جرس بداية حصة الألعاب،
وكنت أدعو عليها كثيرًا وأمام الكثير من زملائي.
وفي بداية الترم الثاني، وجدت الكثير من زملائي يأتوا إلي ويقولون:
"شوفت؟ ربنا استجاب دعاءك على معلمة التاريخ!"
فاكتشفت أنها لم تعد تستطيع السير بمفردها، وكنت أجد دائمًا إحدى المعلمات الأخريات تساعدها في السير أو الذهاب إلى الحمام.
لم أعرف بالضبط ما الذي حدث معها: هل أصيبت بمرض؟ حادثة؟ أم ماذا؟
لكنها لم تعد تستطيع السير، وبقيت هكذا حتى تخرجت من الثانوية.
لنعد إلى عام ٢٠٢١.
في بعض الأحيان، كنت أجد نفسي عائدًا من مكان ما، وقد تمكن مني الألم،
فلا أستطيع إكمال المسير، ولا الوقوف، ولا الجلوس، لا أستطيع شيئًا،
فكنت أجد نفسي أبكي كالطفل في الشارع.
بعد فترة، توقفت عن كل الأدوية والتمارين، لم يعد هناك فائدة،
فقط أصيبت معدتي بالالتهاب، وأصبحت أتناول علاجًا من أجل هذا.
في هذه الفترة، كنت أدعو الله كثيرًا، كل وقت، وفي كل مكان.
وبعد فترة، وفي يومٍ ما، استيقظت من النوم، لأجد أن الألم قد اختفى بمقدار النصف تقريبًا.
لم أصدق نفسي، وكنت خائفًا جدًا أن يعود مرة أخرى.
وبعد فترة أخرى، قل الألم، ليتبقى ربما ثلث الألم الأصلي.
الحياة الأن:
ما زلتُ حتى اليوم، لا أستطيع الوقوف أو المشي كثيرًا،
لا أستطيع الجلوس لفترة طويلة، خاصة على شيء صلب أو غير مريح، ولكن استعدت قدرتي على ارتداء البنطال بمعاناة أقل.
وبالطبع لا أستطيع النوم على أيًا من جانبي، فقط كالجثة على ظهري.
لا يصل الأمر بي إلى درجة البكاء، لكن الألم غير محتمل في بعض الأحيان،
وقد يزداد الألم بشدة ليوم أو يومين، ثم يقل.
لذلك أتناول الكثير من المسكنات، للأسف.
لكن الأكثر ألمًا كان شيئًا آخر تمامًا.
فكنت أتعرض للكثير من المشاكل والمواقف المحرجة.
على سبيل المثال: في المواصلات العامة، عندما أكون جالسًا في مشوار طويل،
فتأتي فتاة أو شخص كبير ويريدني أن أقوم من مكاني، وأرفض ذلك، فتبدأ العبارات السخيفة.
لو كنتُ شخصًا صحيحًا، لكنتُ أعطيته مقعدي.
لكن لن أقف متألمًا لفترة طويلة من أجل جلوس شخصٍ آخر.
وبعد الانتهاء من فترة التجنيد، عندما كنت أبحث عن عمل لا يحتاج إلى مجهود بدني، كنت أعاني.
فغالبية أعمال الشباب إما تحتاج إلى وقوف، أو جلوس غير مريح، أو مجهود بدني، وكان الغالب يسخر من عذري.
حتى الكثير من أقاربي كانوا يسخرون، فأجد أحدهم يأتي بعمل لن أستطيع القيام به،
وعندما أخبره، يبدأ بالسخرية: كيف أني لا أستطيع فعله وأنا شاب، وأني أُبالغ في الألم، وبالعامية "بتدلع".
بل وأصبحت هناك سخرية عامة في التجمعات العائلية.
حتى توقفت عن الحديث معهم تمامًا، منذ عامٍ ونصف، لم أقم بزيارتهم، ولا الرد على مكالمة واحدة منهم، حتى في الأعياد.
الشك والذنب:
كلما أفكر في معلمة التاريخ، أجد نفسي أشعر أني أستحق ما يحدث معي.
نعم، لقد كانت ظالمة، لكن لم تكن تستحق هذا.
لا أحد يستطيع أن يؤكد شيئًا.
لا الأطباء، ولا الناس، ولا حتى أنا.
لا أحد يستطيع أن يؤكد أن ما حدث معها كان بسبب دعائي،
لكن هناك شعور خفي، لا يختفي، يقول لي:
"أنت لا تستحق الراحة، أنت تستحق أن تتألم، وتذوق من نفس الكأس"
التعليقات