الكثير من الاقتراحات التي أراها للتحفيز على القراءة، والترغيب بها، أجدها غير مجدية، وعشوائية، ولا تطلب سوى كثير الإعجابات ولفت الانتباه لا غير، دون تلبية حاجة السائل، أو الساعي لانتهاج ثقافة القراءة وحبها. أفضل نصيحة أقدمها لمن يرغبون في خوض تجربة أعظم عادة ستغير من حياتك للأبد ألا وهي القراءة، هي أن تبدأ بالمجال الذي يثير شغفك، ويشعل لديك الفضول، والتعمق في ذلك التخصص كثيرًا وذلك للاستزادة منه.
لم أبدأ في عشق القراءة وجعلها عادة متأصلة حتى هذا اليوم، بتقليب صفحاتها، والتغلغل في حروفها، وإدراك معانيها، واستنباط أفكارها، وأخيرًا في جعلها تقوم بتغيير شخصيتي للأفضل، كأن تكون قبل الكتاب شيئًا، يضيف لك عظيم الأثر، لتصبح شئيًا آخر، إلا خلال أواخر المرحلة الثانوية. كثيرًا ما كان يحاول أحد أصدقائي أن يحببني في الكتب، يأتي نحوي في كل مرة يقرأ فيها كتابًا، ليخبرني ما الذي قرأه، وأضاف له، واستفاد منه، ليحثني كي أنعم بهذه القراءة، ولكني ومع شديد الأسف لم أكن أفهم إصراره على ذلك إلا متأخرًا.
كرة القدم والسير الذاتية
دومًا ما عشقت كرة القدم، بممارستها، ولعبها، وولعًا بلاعبيها، وفرقها، ومن هنا بالضبط، من خلال سحر كرة القدم بدأت في القراءة بشكل مستمر، من يتابع كرة القدم يعرف جيِّدًا اللاعب الإيطالي (أندريا بيرلو) هذا اللاعب الذي حقق كل الألقاب حينما كان يلعب في عدة فرق التحق بها في مسيرته، بدءًا من نادي بريشيا الإيطالي، ونهاية بفريق نيويورك سيتي، أطلق كتابه الشخصي.
والذي كان يحكي فيه عن مسيرته الرياضية، كيف كانت علاقته مع اللاعب الإيطالي الآخر المجنون ماريو غاتوزو في معسكرات المنتخب الإيطالي والذي كان مجنونًا كفاية لينتقم من زملائه الذين يستفزونه بطفاية الحريق، ومع الفريق الذي لعبا فيهما سويًّا (أي سي ميلان)، كيف كان يعشق لعب البلايستيشن بلعبة كرة القدم قبل كل حصة تدريبية مع المدافع الإيطالي العملاق نيستا صباحًا، عن برودة أعصابه ذلك في خلوده للنوم كالطفل الوديع قبل ليلة واحدة من التتويج بكأس العالم مع منتخبه الإيطالي في العالم ٢٠٠٦م، كيف تلقى خبر اسمه الذي كان من قائمة أفضل عشرة لاعبين في العالم وهو يلعب مع أطفاله الصغار في البيت.
وعن الانتقال الوشيك الذي كان سوف يتم مع برشلونة ومدربه آنذاك بيب غوارديولا يقول المدرب الإسباني له بأنك لمست حبة الكرز التي تنقصه مع إنييستا وتشافي وبوسكيتس، وأخيرًا كيف اخترع طريقته الخاصة في التسديد على المرمى من الركلات الثابتة والتي لا تخطى المرمى في كل مرة ينفذها بتلك الطريقة وبالأصابع الثلاث فقط، كتاب أندريا بيرلو والمعنون (أنا أفكر إذا أنا ألعب) ذكر كل ذلك وأكثر، وسوف أصدمك بأن كل هذه التفاصيل لم أقرأها سوى مرة واحدة فقط، لأقول لك وبصريح العبارة، بأن شغفك وحبك في تخصص ما سيجعلك تتذكر تفاصيل كثيرة وغير محددة، فقط لأن رغبتك كانت حقيقة، وصادقة في شغف المعرفة، ولإخماد نار الفضول الذي يجعلك تتجاوز عشرات ومئات الصفحات كي تنهي ما بين يديك كسرعة البرق.
ثاني كتاب رياضي شدني، وسحرني، وجعلني مغرم في شخصية ناقلها هي السيرة الشخصية للاعب السويدي (زلاتان إبراهيموفيتش) هذا اللاعب الذي ولد في ظروف حياتية صعبة والذي كان يعشق رياضة الكاراتيه التي ساعدته كثيرًا مع طول قامته الفارع لأن يكون أحد ألمع المهاجمين في تاريخ كرة القدم، يحكي قصته كيف بدأت مع نادي مالمو السويدي، وخلال هذه الفترة تدرك جيدًا لماذا تجربته السيئة في تلك الفترة جعلت شخصيته تظهر بالشكل المغرور والمتكبر.
لكنه يقول عن نفسه بأنها ثقة بالنفس وليست غرورًا، ينتقل زلاتان لنادي آياكس أمستردام ويسجل في تلك الفترة أحد أجمل الأهداف في مسيرته بعدمها راوغ لاعبي الوسط والمدافعين بسبع بلمسات، ليسكن الكرة في الشباك في مرتها الثامنة وذلك من أمام نادي ناك بريدا، وفي آياكس أيضًا، يتحدث عن قصته الشهيرة مع اللاعب المصري زميله في الفريق (ميدو)، بعدما حصلت بينهما مشادة جعلت اللاعب المصري يستنفر غاضبًا، ليرمي عليه المقص الذي كان وشيك الإصابة باللاعب إبراهيموفيتش، ليصدر قرار النادي لاحقًا بطرد اللاعب المصري من الفريق.
وكيل أعمال إبراهيموفيتش المثير للجدل مينو رايولا يسوق إبراهيموفيتش لنادي يوفينتوس الإيطالي، لينتقل له لاحقًا، منه إلى نادي إنتر ميلان، ثم نادي برشلونة وتصريحات إبراهيموفيتش عن مدربه بيب غوارديولا المثيرة للجدل بوصفه بالجبان والفيلسوف، وسيرة طويلة جدًّا لا زالت مستمرة بعمر ٤١ سنة هذا اللاعب السويدي يقول في إحدى تصريحاته الواثقة دومًا (تعتقد بإني انتهيت، ولكني فقط لا زلت أقوم بالإحماء)، سأخبرك للمرة الثانية بأن كل هذه التفاصيل لم أكن سأعرفها عن شخصية زلاتان، وإعجابي الشديد به دون قراءة سيرته الذاتية والمعنونة (أنا زلاتان إبراهيموفيتش).
الذي يعرف عالم كرة القدم، لن يغيب عن اسمه السير اليكس فيرغسون، وهو الذي كان سابقًا المدرب العظيم لنادي مانشيستر يونايتد الإنجليزي، هذا المدرب الأسكتلندي والذي انتهى به المطاف من أسكتنلدا ليدرب مانشيستر يونايتد، سيحكي لك كيف بأن قوة شخصيته وفرضها في غرفة الملابس صنعت أسطورة تدريبية خالدة، فقد حكى كيف تعامل مع اللاعب المثير للجدل ديفيد بيكهام بعد خسارته من نادي أرسنال في العام ٢٠٠٢ عندما ركل المدرب الإسكتلندي الحذاء باتجاه بيكهام لتصيبه فوق عينه، والتي أدت أيضًا لرحيل اللاعب في العام ٢٠٠٣ إلى نادي ريال مدريد الإسباني وهو المدرب الذي يقول في أحد تصريحاته الشهيرة “في اللحظة التي يفقد فيها المدرب سلطته لن يبقى لديك فريق، سيدير اللاعبون الفريق وتصبح أنت في ورطة”.
تتوالى الأحداث مع نادي مانشيستر يونايتد، ليحكي المدرب قصة انتداب اللاعب البرتغالي الخارق كريستيانو رونالدو من نادي سبورتينغ لشبونة البرتغالي، وعن قصة تاريخية صنعت الإنجاز العظيم بفوز مانشيستر يونايتد بلقب دوري أبطال أوروبا من أمام تشيلسي في العام ٢٠٠٧-٢٠٠٨م، عن مرارة الهزيمة من أمام مانشيستر سيتي بأقدام اللاعب الأرجنتيني كون أغويرو في الدقيقة الاخيرة ببطولة الدوري الإنجليزي ٢٠١١-٢٠١٢م سيصف السير أليكس هذه الهزيمة بأنها الأسوأ في تاريخه والأكثر مرارة، كيف يتحدث عن أفضل فريق واجهه في حياته نادي برشلونة بقيادة بيب غوارديولا في نهائي دوري الأبطال الأوروبي ٢٠١١م.
نعم هذا صحيح، من هذه الكتب الآسرة تعلقت بعادة القراءة، ومن خلالها أيضًا عشقت الكتب التي تعنى بالسير الذاتية، وحكاية القصص الخاصة، دون إفراط في التفاؤل أو إغراق في اليأس، نصيحتي لك لكي تبدأ عادة القراءة، أرجوك بشدة أن تقرأ في المجال الذي تحبه، ويلهب حماسك، لكي تبدأ في عشق أعظم عادة أضمن لك بأنها ستغير من حياتك للأبد.
إليك أيضا
لماذا كل شخص منا عليه أن يتعلم (علم البيانات) ليحظى بوظيفة مضمونة في المستقبل!
الخطواتُ الخمسُ لإنشاءِ السَّردِ القَصَصِيِّ، أمثلةٌ من أعمالٍ خالدةٍ!
التعليقات