منذ ما يقرب من ثلاثة أعوام كانت بداية رحلة جديدة من العمل استمرت لتسعة أشهر تقريبا، أستطيع أن أقول أنني كنت أعتقد (ولازلت)، أنه كان الأكثر متعة بالنسبة لي، كنت أحب طبيعة العمل، وصدقا كنت أعمل مع فريق عمل رائع، فريق تم إختياره بشكل دقيق، فريق يقدس روح الفريق ويعمل بروح الجماعة، يقدم كل ما لديه بصدق وإخلاص، لا يدخر جهدا في سبيل تحقيق الهدف العام للشركة.

كنا نصل الليل بالنهار، لا تنقطع إتصالاتنا حتى في يوم الراحة، كنا نعمل جميعا وكأننا أصحاب المكان فعلا، كانت أجواء أكثر من رائعة.

ولكن الأمور لم تظل وردية لفترة طويلة، ربما مع بداية الشهر الرابع تحوَّل كل شئ.

بدأت تواجه أعضاء الفريق مشاكل بسبب الدخل المادي، لم تكن الأمور على ما يرام، أغلبنا (بما فيهم المدير نفسه) اضطر للبحث عن عمل آخر ليتمكن من زيادة الدخل، مما ساهم في تفكك الفريق ومغادرة البعض للمجموعة.

والعمل الذي كان يقوم به ثلاثة أو أربعة أشخاص أصبح يقوم به شخص واحد!

بالتأكيد لم تكن الإنتاجية بذات الكفاءة، ولم يعد المتفرغين لهذا العمل قادرين على الإستمرار لوقت أطول – وكنت واحدا منهم – فكل منا عليه إلتزامات أسرية ومادية، ولم نعد قادرين على تحمل هذه الظروف.

زادت حدة الخلافات مع المدير، وتحول الأمر من الهجوم والنقد لجودة العمل إلى الهجوم على شخصي، على تصرفاتي وصفاتي، أسلوب كلامي وطريقة أدائي للعمل!!

كثرت القرارات المخالفة لتفكيري وطبيعتي، وكان هذا الأمر يتم مع أكثر من شخص، وعندما قررنا مواجهته أجابنا بأنه هو المدير، وأنه يرى ما لا نراه، وأنه صاحب الرؤية الأشمل والنظرة الأبعد.

بعدها قام بفصل مهامنا عن بعضنا بحيث يُقلل كثيرا من جلساتنا ونقاشاتنا، تقريبا لم يعد لأي واحد منا علاقة عمل بالآخر!

مع هجومه المتكرر على شخصي، قررت أن أنسحب وبشكل نهائي.

جلست معه في لقاء خارج مقر العمل، تحدثت فيه بكل ما جال بخاطري، وأسباب إتخاذي لهذا القرار، أردت فقط ألا يبقى شئ في صدري، وكانت هذه هي المرة الأخيرة التي أقابله فيها.

قررت الإنسحاب بعدما شعرت بأني أصبحت يُقلل من شأني عن عمد، وأن الأمر بات يتكرر بشكل غير مقبول.

ورغم أن مغادرتي لهذا المكان قد مر عليه ما يقرب من عامين، إلا أنني تذكرته هذه الأيام لأن الأمر بدأ يتكرر في عملي الحالي!

ولكن المختلف هذه المرة هو أنني قد علمت أن هذه سياسة المؤسسة الحالية، حيث أنهم يجذبون الشباب ليعملوا بمرتبات قليلة جدا، في محاولة لإكتساب الخبرة، ثم يقومون بالتخلص منهم حتى لا يضطروا لرفع راتبهم بناء على قوانين العمل، فيبدأون باتباع سلسلة من المضايقات للعاملين تنتهي بإستقالتهم غالبا، ثم يقومون بجلب غيرهم ويكرروا معهم الأمر ذاته!

إنه أمر مؤسف حقاً!