لنتخيل التالي، شركة تديرها واردت أن تدير مشروع بها ناجح، والمشروع يتطلب فريق متعددي التخصصات من مختلف الإدارات والمواقع. يعني قد تلجأ إلى توظيف موظفين لتنفيذ المشروع من مجال التسويق، وموظفين من مجال البرمجة، و مجال منشيء المحتوي والتصميم و المبيعات و هلم جرا، هنا قد يكون أمامك تحدي كبير وهو كيفية التواصل بين هؤلاء الموظفين، فنحن نتحدث عن تخصصات مختلفة، ووجهات نظر أولويات مختلفة، وربما توقعات حول العمل مختلفة، هنا كيف سندير هذا التواصل وسد الفجوات إن حدثت بالفعل؟
كيف يمكنني إدارة التواصل في فريق متعدد الاختصاصات؟
بالطبع كل تلك الفرق ستتداخل فيما بينها في المهام والأعمال، وستحتاج إلى التواصل المنسجم فيما بينها لضمان الوصول لأهداف المشروع. أرى أنه يمكن تنظيم العمل والتواصل ما بين الفرق عبر:
- تحديد أهداف واضحة للمشروع
- تقسيم الأدوار والمسئوليات على نحو مفصل
- إقامة الاجتماعات، ومناقشة العمل في ضوء ما تم تحديده من أهداف.
- بناء الثقة بين أفراد الفرق المختلفة، وتشجيع التعاون فيما بينها
فنحن نتحدث عن تخصصات مختلفة، ووجهات نظر أولويات مختلفة، وربما توقعات حول العمل مختلفة
هل لديك أمثلة لمشاكل تحدث بسبب وجهات نظر أولويات مختلفة؟
• إقامة الاجتماعات، ومناقشة العمل في ضوء ما تم تحديده من أهداف.
لكن أحيانا تكون هذه الاجتماعات وسيلة للضغط أو ربما المماطلة في كثير من الأحيان خصوصا لو كان الأشخاص من خلفيات مختلفة ويعملون بشكل تكاملي لا تعارضي، فكيف يمكن في رأيك يا مؤمن الحد من الهراء الذي يحدث في اجتماعات العمل خصوصا في شركاتنا؟
أظن أن التخطيط الجيد، ووجود أهداف ومخرجات واضحة من الاجتماع، وتنظيم قواعد الحديث في الاجتماع يمكن أن تساعد. بعد تحديد أهداف واضحة للاجتماع، سيتم اختيار المشاركين الضروريين فحسب، مما سيمنع استهلاك الوقت دون جدوى.
طالما الاجتماعات لها هدف محدد، كما أنها قليلة وعلى فترات متباعدة مثلا مرة اسبوعيا، ولها توقيت معين، اذ مثلا يتم اجراءها في الصباح، فلما نراها وسيلة للضغط، بالعكس هي ضرورية لتبادل الافكار والرؤى والمعلومات، واتخاذ استراتيجية موحدة دون الشعور بتضارب في الادوار. لذا الفيصل هنا برأيي هو إدارة هذه الاجتماعات، كيف تدار؟ وكيف يمكن لهذا القائد أن يجعلها شيقة تؤتي بنتائج مبهرة، دون أن يشعر هذا القائد أو الموظف بأنه يكرر نفسه في كل مرة؟
لكل شركة يا هدى استراتيجية تحددها الإدارة العليا حتى ولو كانت هذه الشركة بسيطة، وأنا مثلا في شركتي أحب أن أعمل مع فريق متكامل يعمل على مشروع واحد وليس بشكل هرمي أو بشكل إدارات. أبسط شيء نقوم به هو عمل شيء اسمه RACI Matrix، وهي مصفوفة نقوم فيها بتقسيم خطة العمليات لمهام بجدول زمني ونقسم المهام إلى أربع أدوار رئيسية:
-- Responsible (المسؤول): هو الشخص الذي يتولى تنفيذ المهمة أو العمل المعين. يعني هو الشخص الذي سيعمل على إتمام المهمة الفعلية من البداية للنهاية، ويتحمل مسؤولية إتمام العمل المطلوب.
-- Accountable (صاحب القرار): هو الشخص الذي يتحمل المسؤولية النهائية عن المهمة ويمتلك السلطة لاتخاذ القرارات المتعلقة بها. هذا الشخص لا يقوم بالعمل بنفسه، لكنه يضمن أن العمل يتم بشكل صحيح وفي الوقت المحدد. يكون مسؤولًا عن التوجيه والتأكد من أن كل شيء يسير في الاتجاه الصحيح.
-- Consulted (المستشار): هم الأشخاص الذين يتم استشارتهم أثناء سير العملية. يمكن أن يكونوا خبراء أو أعضاء آخرين في الفريق لديهم معرفة خاصة أو مهارات معينة، ويقومون بتقديم آراء أو مشورة بشأن كيفية إتمام المهمة بشكل أفضل.
-- Informed (المُطلع): هم الأشخاص الذين يحتاجون إلى معرفة تقدم العمل أو نتائج المهمة ولكن لا يكون لهم دور مباشر في تنفيذها أو اتخاذ القرارات. يتم إبقاء هؤلاء الأشخاص على اطلاع دائم بكل ما يتعلق بالمهمة لكي يكونوا على دراية بتطوراتها دون أن يشاركوا في التفاصيل.
من خلال تطبيق هذه المصفوفة، نضمن وضوح المسؤوليات وتوزيع المهام بين الأفراد بشكل عادل، مما يسهل التنسيق داخل الفريق ويزيد من كفاءة سير العمل، مع ضمان أن كل شخص يعرف ما هو متوقع منه.
يختلف الهيكل الإداري حسب عدد الموظفين، فبداخل الشركات التي يعمل بها 2000 موظف مثلاً، لابد من وجود أقسام وهيكل إداري هرمي ينظم التفاعلات بين الأقسام وداخل كل قسم.
عمل شيء اسمه RACI Matrix
Accountable (صاحب القرار)... هذا الشخص لا يقوم بالعمل بنفسه
Informed (المُطلع): ...دون أن يشاركوا في التفاصيل
لكن هذا نظام مبتكر بلا شك ولذلك يطرأ سؤال عنه: ألا يعتبر Responsible (المسؤول) هو الذي يقع عليه أغلب الجهد، وباقي المراكز تقوم بدور إشرافي فقط؟ أم تتغير المراكز في كل مهمة فالشخص Responsible في مهمة، هو الAccountable في مهمة تالية؟
فبداخل الشركات التي يعمل بها 2000 موظف مثلاً، لابد من وجود أقسام وهيكل إداري
ليس بالضرورة يا جورج، فهناك شركات كبيرة جدا لكن تعمل حسب المشروع وليس فيها هرم إداري مكتمل مثل أمازون وأبل خصوصا وأني تعاملت معهم عن قُرب. فأمازون مثلا يمكن أن يعمل على مشروع واحد شخص من المملكة المتحدة وآخر من جنوب شرق آسيا وثالث من مصر وهم يعملون حسب المشروع أو المهمة وليس التسلسل الهرمي.
فالشخص Responsible في مهمة، هو الAccountable في مهمة تالية؟
توقعك في محله، وهذا ما يحدث بالضبط.
هدف هذه المصفوفة ألا يعمل شخص وحده على مهمة واحدة، ولكن ال Accountable أيضا مشترك مع المسؤول في التنفيذ بشكل أو بآخر فهو دوره استراتيجي وهذا مهم لقيام أي مهمة. لكن في رأيك هل يمكن إضافة أدوار أخرى لهذه المصفوفة إذا اعتبرنا أنها ناقصة؟
أمازون مثلا يمكن أن يعمل على مشروع واحد شخص من المملكة المتحدة وآخر من جنوب شرق آسيا وثالث من مصر
تستخدم أمازون هذه الاستراتيجية في المستويات الصغرى من الهرم الإداري حيث توجد مساحة جيّدة للمرونة، لكن في المستويات الأعلى هناك هيكل تنظيمي ثابت معروف الأدوار والمهام لكل وظيفة.
لكن في رأيك هل يمكن إضافة أدوار أخرى لهذه المصفوفة إذا اعتبرنا أنها ناقصة؟
يمكن الإبقاء على المرونة داخل الفرق التنفيذية، لكن في رأيي لابد من وجود وظائف ثابتة في أعلى قمة الهيكل التنظيمي، هذه الأدوار والوظائف الثابتة تضمن ثبات الرؤية العامة، كما تضمن تفرّغ شاغلي هذه الوظائف للنظر للصورة الأشمل للمؤسسة.
لكن ماذا إن كان هنالك أكثر من مستشار أو مسؤول أو صاحب قرارة على مهمة واحدة، وهنا الاشكالية اذ تشعر بأنه هنالك تداخل في الادوار! من سيكون المسؤول عن النتائج النهائية ؟ هل المستشار الفلاني أم المشتشار الاخر الفلاني؟ هل المسؤول أو المسؤول الاخر الفلاني، هل المطلع الفلاني أم المطلع الآخر الفلاني وهلم جر، لذا كيف كنتم تواجهون مشكلة تضارب الادوار؟
الحل لذلك هو في "الهيكل الإداري"...
فنبدأ بعمل لائحة التوصيف الوظيفي: وهي توضح مهام وواجبات كل موظف وكل مدير في القسم، وتنظم علاقة الموظف بزملائه في نفس القسم، وخط سير العمليات بين الموظفين، وطرق التواصل الرسمية في حل مشاكل العمل ومهام العمل انتهاءاً بمدير القسم.
ثم ننتقل للصورة الأكبر: وهي علاقة كل قسم بباقي أقسام الشركة، لابد من التعاون بين أقسام الشركة في العمل، لذلك نضع لائحة تنظم خطوط التعاون والتواصل بين كل قسم والآخر، بما في ذلك كيفية إنجاز المهام، والأعباء التي تقع ضمن مسؤولية كل قسم، مع إشراف مديري الأقسام على التواصل بين الأقسام، وإبلاغ أي مشكلة في التواصل أو في إنجاز العمل للمدير الأعلى..
مما يأخذنا درجة أعلى في الهيكل الإداري: لكل مجموعة أقسام مدير يرأس مديري هذه الأقسام، ويكون ذلك في الأقسام التي بينها أكثر التفاعلات فنضعها في مجموعة واحدة يرأسها مدير أعلى يرجع إليه مديرو الأقسام من أجل السياسات العامة.
وهكذا يكون الهيكل الإداري أشبه بخريطة للشركة توضح خطوط سير العمل وطرق التواصل ومسؤوليات المهام المختلفة، ويتم تحديثها كل فترة مع اكتساب الخبرة وتغير الظروف.
المهم هنا استخدام منهجيات إدارة العمل أو المشروع تتناسب مع تفضيلات أعضاء الفريق، والاتفاق حولها، فهنالك من قد يفضل منهجية الشلال أو منهجية أجايل، أو غيرهما، الفيصل هنا كيف يمكن الاتفاق حول المنهجية المناسبة
أحد أكبر الأخطاء عند إدارة فرق متعددة التخصصات هو الافتراض أن الجميع يتحدثون نفس لغة العمل. المبرمج يرى العالم من منظور الكود والكفاءة، المسوّق يفكر في الجمهور والرسائل، والمصمم يهتم بالجماليات والتجربة البصرية. عندما نضع هؤلاء في غرفة واحدة دون جسر واضح بينهم، تنشأ الفجوات وسوء الفهم. الحل؟ تبسيط التواصل بلغة موحدة، وجعل التوقعات واضحة منذ البداية، وليس بعد أن تبدأ المشاكل بالظهور. قد يقول البعض إن الحل في Slack أو Notion أو الاجتماعات المنتظمة، لكن الأدوات وحدها لا تحل المشكلة إن لم يكن هناك التزام باستخدامها بفعالية. ما الفائدة من توفّر قناة تواصل إذا كان البعض لا يشارك المعلومات بوضوح، أو إذا كان الفريق لا يطلع عليها؟ يجب وضع بروتوكول تواصل واضح، ماذا يُنشر وأين، من يجب أن يكون على اطلاع، وما هي الأهداف الكبيرة التي نعمل للوصول لها
جعل التوقعات واضحة منذ البداية
طالما هنالك مسودة أو اتفاقية أو ميثاق يحدد التوقعات من البداية لن نجد مشكلة في هذا الجانب، المهم هنالك تتبع للاداء وبشكل دوري وتقييم النتائج أولًا بأول.
ما الفائدة من توفّر قناة تواصل إذا كان البعض لا يشارك المعلومات بوضوح
أحيانا يكون من عوائق الاتصال هو اختلاف المصطلحات كونك ستجد فجوات لغوية بين كل تخصص وتخصص اخر، لذا الحل برأيي أن يتم توفير قاموس يضم هذه المصطلحات وبالتالي لن يجد الموظف صعوبة في فهم اي كلمة أو مصطلح يواجهه.
إدارة التواصل بين فريق متعدد التخصصات تتطلب
- وضوح الرؤية والتنسيق الفعال: يمكن تحقيق ذلك من خلال تحديد أهداف واضحة مشتركة للجميع
- إنشاء آليات تواصل منظمة: مثل الاجتماعات الدورية والمنصات التعاونية.
- تعزيز ثقافة الاحترام والتفاهم : بين التخصصات يساعد على تقليل الفجوات وسوء الفهم، مما يسهم في تحقيق انسجام الفريق ونجاح المشروع.
ماذا تقصد بالمنصات التعاونية، هل هي أدوات التعاون السحابية؟ أم هنالك ادوات أخرى؟
تعزيز ثقافة الاحترام والتفاهم : بين التخصصات يساعد على تقليل الفجوات وسوء الفهم، مما يسهم في تحقيق انسجام الفريق ونجاح المشروع.
ولكنها لابد أن تكون قائمة ايضا على احترام التنوع الثقافي، الموظف والمسؤول يجب أن يكونوا على وعي بالثقافات المختلفة، سواء عادات أو أو تقاليد أو قيم هذه المجتمعات، وهذا قد يكون من خلال إشراك الموظفين والطلب منهم مشاركة اراؤهم حول هذه الثقافات.
الحل هو استخدام أدوات تواصل فعالة مثل Slack أو Trello، وتحديد مسؤوليات واضحة لكل عضو بالفريق، وإنشاء لغة تواصل مشتركة تسهّل الفهم بين التخصصات المختلفة. بالإضافة إلى عقد اجتماعات منتظمة ولكن مختصرة لحل المشكلات بسرعة، وتعزيز ثقافة التعاون والاحترام بين الأعضاء. الأهم هو وجود رؤية مشتركة للفريق لضمان تحقيق الأهداف بسلاسة. مما يساعد على تقليل الفجوات بين الفريق وضمان تنفيذ المشروع بكفاءة.
التعليقات