يقول الكوميدي الساخر «جورج كارلين» : «نحن شعب نشتري ما لا نحتاج بما لا نملك." في هذا الوصف يختصر كارلين معني الثقافة الاستهلاكية التي تقوم على الاستهلاك الأعمى وإقصاء دور الإنتاج وأهميته.

وفي تمثيل هذه الحالة يمكن الاستعانة بتجربة الشعب الهولندي. فحتى العام 1959 كان الشعب الهولندي شعبا منتجا بامتياز يصل بانتاجه الزراعي والصناعي إلى مصافي الدول المتقدمة. إلا أن اكتشاف الغاز في هذا العام كان نقطة التحول التي غيرت التاريخ بعد تحوله إلى اقتصاد ريعي بدون منازع.

بعد ذلك الاكتشاف أصيب الشعب الهولندي بحالة من البذخ والشراهة الاستهلاكية. فتحول التوجه العام في هولندا من الوظائف الصناعية والزراعية إلى الوظائف الإدراية والخدماتية وازدادت معدلات البطالة وتأثرت سلبت الصادرات غير النفطية.

برأيي فإن اكتشاف الغاز أو أي مورد آخر يشكل فرصة لبناء استثمارات جديدة وتحقيق النمو الاقتصادي. إلا أن الأمر الأهم والذي لا يقل شأنا هو ضرورة بناء اقتصاد متين يعتمد على القطاعات الثلاثة بالتوازي حتى لا يخضع الاقتصاد بالكامل للخضات نتيحة التقلبات المستمرة في أسعار المتشقات النفطية يوميا. وأجد اليوم أن الاقتصاديات العربية بمعظمها تشابه تجربتها التجربة الهولندية باعتمادها الكامل على النفط في بناءها الاقتصادي وهو ما أسميه " هشاشة إقتصادية" قد تؤدي إلى تصدع الهيكل كاملا نتيجة المتغيرات الاقتصادية على الساحة العالمية.

والآن وبرأيكم، كيف يمكن الموازاة بين استثمار الدول لثرواتها الطبيعية من جهة وعدم النزوع نحو البذخ الاستهلاكي وبناء اقتصاديات متينة من جهة أخرى؟ وكيف يمكن الحفاظ على تنمية القطاعين الصناعي والزراعي في الاقتصاديات النفطية؟