استراتيجية كايزن: الغد يجب أن يكون أفضل من اليوم

كلمة كايزِن باليابانية قد تقصر بعض الشيء عندما تترجم (وهي كذلك حرفيا) إلى "التغير للأفضل". ولكنها في لغة اليابانيين فيها معنى إضافي من واقع ثقافتهم وحضارتهم يزيد على المعنى والترجمة لحرفية وهو معنى "الاستمرارية".

ولذا فهي أقرب لأن تكون: التغيير للأفضل بشكل مستمر. (ومعنى الاستمرارية هو "مفتاح" أساسي لهذا المفهوم بهذه المنهجية في تطوير العمل)

ولذا فحملك أنت لهذا المفهوم وتطبيقه على تجربتك الحياتية كما تفضلت هكذا لهو حمل صحيح ولكن عليك أن تعتبري الاستمرارية فيه، أن تقومي بمثل هذه التغيرات والتحسينات طوال الوقت (on going) وسقفك السماء مفتوح لا حد للتحسينات "غرض أو نهاية قد لا تُنال ويتوقف عندها ولكنها يُسعى إليها طول الوقت بشكل دائم مستمر".

بالعادة نطبق استراتيجية كايزن في الحياة العامة بدون أن نعرف ماهيتها بعدف سعينا للوصول إلى الأفضل.

بعدها أصبحت أكتب ما أنجزت وأقيم نفسي وأعيد تصحيح الأخطاء التي ارتكبتها في طريقة تحقيق هدف.

على أي أساس تقومين بتقييم نفسك أو انجازك للأهداف؟

الحقيقة حمل الكايزن على أنها طريقة للتعامل مع التغيرات "الفرعية" خاصة الصغيرة منها والبسيطة وبالتالي فالتغيرات "الجذرية" الكبيرة خارج نطاق عملها (أو حتى قد يُفهم أنها تعارضه) الحقيقة حمل الكايزن على هذا النحو ليس في محله تماما وتكون قد ظلمت الطريقة نفسها.

تعال إلى الجانب والتطبيق العملي فيها حتى نتعرف عليها أكثر:

الكايزن في الثقافة اليابانية (تحديدا طلعت من شركة تويوتا المعروفة صاحبة أفضل نظام جودة عالمية لسنوات طوال) تعتمد بالأساس إلى رعاية النظر إلى كل من الـ value (القيمة المضافة) والـ waste (الهدر) داخل عملك (مؤسسة مصنع إدارة قسم من الأقسام خط إنتاج تطوير مشاريع .... بكل الجوانب وعلى كافة المستويات) وهي تعرف كل منهما بطريقة فعالة للغاية:

الـ value هو كل شيء لحظي داخل عملك إذا اطلع عليه العميل ورآك تعمله فسمد يديه إلى جيبه ليستخرج مالا ليدفعه لك جراء هذا الشيء بهذه الجزئية من العمل وذلك من كونه يراه مفيدا له ذو قيمة مباشرة تعود عليه يستحق فيها بذل ماله فيه.

الـ waste بالتالي هو بقية الأشياء وللحظات التي قد تقوم بها أنت ولا تعود بالنفع المباشر بالنسبة له (مثال: شغل الموراد - أحمال للعاملين من مشاريع أخرى - انتظار فريق عمل التنفيذ للتصميم من فريق عمل المصممين - شغل لم يكتمل بعد - شغل لم يختبر بعد - .. إلخ إلخ)

وبالتالي يتم عمل دراسة لدورات العمل بالمشروع للنظر في كل من القيمة والهدر، وقياس النسبة بين الزمن هذه القيمات على للزمن الفعلي(from concept to cash). ثم العمل على تحسين وزيادة الفعاليات القيمة (دعنا نسميها هكذا) مقابل الحد من وتقليل الفاعليات الأخرى التي تمثل الهدر (وإن كل في تفصيل اعتبارات الهدر كلام لا يتسع الاختصار هنا لبيانه ما علينا).

المهم (حتى ندخل في النقطة التي بين أيدينا) فكرة عمل هذه الدراسة بهذه المعايير والقياسات هكذا أنك ستنظر وترى (وتقيس وتحسب) عوامل ومكامن الهدر في شغلك ودورات العمل. ثم يكون الـkaizen أنك تأخذ الهدر الأكبر الذي يمثل الخسارة الأفدح حسب هذه القياسات ثم تشتغل عليه لوحده فترى كيف ستحسنه (ماذا ستفعل حتى تحد من تأثيره السلبي أو تزيد من تأثيره الايجابي). ثم بعد ذلك ترجع وتعيد الدراسة والقياس ثم تأخذ العامل الأكبر هذه المرة (بعد معالجة سابقه) وتشغل عليه وهكذا. (Plan-Do-Check-Act)

فلاحظ أنه تبعا لهذه الثقافة ومنهجية التعامل مع "كيف نحسن أداء العمل؟" فإن هذه الطريقة تتعامل مع كل المتغيرات الكبير منها والصغير الجذري منها والفرعي. هي فقط اشتهرت من كونها تتعامل مع التغيرات الصغيرة أو حتى الطفيفة من كونها طريقة "تحسين مستمرة" تتكرر ويهتم بها وتنفذ طوال الوقت وعلى كافة المستويات فبديهي إنه بعد التعامل مع المشكلات الجذرية والكبيرة أول الأمر فإنها سيتجه الشغل والتركيز على المشكلات الأصغر فالأصغر مع مرور الوقت وغالبا م يستجد من مشكلات تطرأ على العمل مع تشرب هذه الثقافة والعمل بها فترة طويلة ستكون مشكلات صغيرة بالفعل.

(ويمكنني اعطاء أمثلة من واقع عملي ولكن أخشى من طول الكلام وتشتت الانتباه والإفادة فرصة أخرى إن شاء الله)

 على الرغم من كون بعض الظروف تتطلب تغييرًا جذريًا ، لكن استراتيجية التغييرات المتزايدة اليومية بشكل روتيني تُسهل حدوث التطويرات على المدى البعيد .

خلال تطبيق استراتيجية كايزن على مستوى الأعمال أو المستوى الشخصي برأيي من المهم أن تتمتع بمرونة لتراعي التغييرات والظروف الخارجية التي قد تطرأ في وقت غير معلوم، وهذا ما يجعلها فعالة وتساعد في نجاح ونمو الشركة او النمو الشخصي.

من أشهر من تبنى اللين (lean) في مجالنا صناعة وتطوير البرمجيات هم: بوبيندكـ"س" (Poppendiecks والسين للجمع فهما زوجان رجل وأمرأته بالغرب تسمى باسمه ولهما عدة كتب اشتهرا بها كثيرا) وكريج لارمان (Craig Larman) وهذا الأخير هو أحد السبعة عشر رواد الذين اخترعوا الآجايل (والتي اللين إحدى منهجياتها) 2001م، وله عدة كتب شهيرة وفعالة جدا في اللين كذلك.

أعتقد هذا لابد أن يسبقه ولاء عالٍ من التابعين لتحقيقه فلا تستطيع أي منظمة العمل على ذلك لأن الولاء من أصعب الأمور في تحققها . أي أن هذه الاستراتيجية لا تنفع مع كل النظمات لابد من التحضير المسبق لها لتكون فعالة حقاً .

إي في الحقيقة ثقافة اللين اليابانية نفسها (lean thinking: Toyota way) تقوم في بنائها المعرفي وكهيكل نظام للجودة مكون من أساس وأعمدة وأدوار وسقف على الاهتمام بأمرين بشكل أساسي للغاية حتى أنهم جعلوهما الركيزتي أو العمودين اللذين يقيمان بناء النظام عندهم كله وتتمحور كل الفاعليات تقريبا حولهما وهما:

1- العامل البشري people فهو نظام للبشر وبالبشر ليسوا بآلات ولا تروس بمحركات.

2- التحسين المستمر continuous improvement (كما تفضلت أنت في اعتبارك هكذا) وهي ركيزة أوسع من الكايزن (مما يسبب اللغط أحيانا أن من ترجمات الكايزن كمفهوم ممكن تكون بنفس الاسم ولكنهما عندهم لهما مدلولات مختلفة) تشمل الكايزن وغيره كالجيمبا (gemba or "go and see")، "5 whys"، "value streaming، .....

أعجبتني خطتك السنوية، بالعادة لا أضع خطط او أهداف محددة لكن قررت التغيير هذه السنة للحصول على نتيجة أفضل والتحسين، هل تضعين أهداف شهرية فرعية بين كل هدف خلال فترة الربع سنة ام تفضلين التركيز على هدف واحد لفترة محددة؟

أعتقد هذا لابد أن يسبقه ولاء عالٍ من التابعين لتحقيقه فلا تستطيع أي منظمة العمل على ذلك لأن الولاء من أصعب الأمور في تحققها . أي أن هذه الاستراتيجية لا تنفع مع كل النظمات لابد من التحضير المسبق لها لتكون فعالة حقاً .

بجانب الولاء أيضًا تحتاج إلى موظفين ذوي خبرة عالية لتحديد التحسينات المطلوبة في العملية وتساعد في تحسين وتطوير الشركة للأفضل. والمشكلة الأساسية أن أغلب الشركات لا تُشارك الموظفين في تحديد الاستراتيجيات واحتياجات الشركة وتعمل على تهميش رأي الموظف، وبالتالي تكون هذه الاستراتيجية غير نافعة بالنسبة لهم.

لا يعتبر الكايزن "بطيئا" إلا ربما من جهة واحدة وهي من طبيعة عمله هو نفسه:

فهم لا يريدون البدء أو الشروع في أي تغيير إلا لما يتم هضم أداء العمل على ما هو عليه (يحددون baseline لشكل العمل عند نقطة محددة سيشتغلون عليها بالكايزن لاحقا ولكنهم يهتمون كثيرا أن يتم فهم واستيعاب والعمل مع هذا البيزلاين أولا ولفترة ليست بالقصيرة وهذا بزعمهم وهم محقين في ذلك كفيل أن أي دراسة كايزن والعمل على التغيرات بعد ذلك ستكون مثمرة للغاية)

لذلك سرعان ما ستعود مثل هذه المؤسسات لعدم تطبيق كايزن لكونها منشآت متحجرة لا تقبل التطوير .

والمشكلة الاخرى التي تسببها هذه العقلية في العملية هي عدم قبولهم مشاركة الموظفين في عملية اتخاذ القرار او التخطيط، إذ انه بعض الشركات في أغلب الاجتماعات حتى يومنا هذا لا تسمح للموظفين بالمشاركة بل يكون عبارة عن توزيع مهام وأوامر ومشاركة اهم التحديثات بدون الاهتمام برأيي الموظف.

أزمة كورونا كانت مفيدة في تغيير تفكير المدراء وأصحاب المشاريع بأن أصبحوا يحرصون على الأخذ بعين الاعتبار المخاطر التي تطرأ والتغييرات اللازمة وتضمينها داخل خطة العمل. بالنسبة لاستراتيجية كايزن وبعيدًا عن فوائدها للشركة ككل فهي تفيد في الحفاظ على ولاء العملاء وشعورهم بأنهم جزء أاسي في الشركة ويتشاركون الخطط والأفكار وبالتالي يزداد حرصهم على مصلحة الشركة، تعزيز كفاءتهم في العمل، وزيادة الإنتاجية.

استبعاد الذي "لا تريده" بالمشروع وليس منصبا على التحسين "الايجابي" في المقابل أنك تعمل على تحسين "الذين تريده بالمشروع"

استراتيجية كايزن تهتم بجمع المعلومات حول النقاط السلبية أو الضعف في المنظمة وعملياتها من اجل اكتشاف ووضع خطة للتحسين على مستوى بسيط في الشركة. لكن برأيي تطبيقها لوحدها لا يُعطي نتيجة أو تغيير جذري بل تحتاج إلى ان تُدمج مع استراتيجيات أخرى، ما رأيك؟