جيف بيزوس والشغف.. هل يتعارض رأيه مع التطوير الذاتي للفرد؟

اخي علي .. شغف الانسان بالشيء مرتبط بمجموعة من العوامل ومنها ما هو راسخ في الدماغ ويتحرك بوجود المؤثر، ومنها ما له علاقة ببيئة العمل وتوفير عوامل النجاح والانجذاب، لهذا فالشغف يعتبر عنصر هام يحث على تنميته والاستفاده منه. وكلما ارتفع مستوى الشغف عن الانسان كلما تمتع بقدرات فائقةواكتساب المعرفة والاهم من ذلك هو الانتماء للعمل وتحمل المخاطر فيه والتحديات المختلفة.

ان في كل انسان طاقة كامنة، يمكنه أن يطلقها،وهناك ما يعرف بالشغف، وكلما كان عمل الشخص مكتنزا بالشغف كلما كان مبهرا وجذابا وغير ممل، ويلهب الحماسة للتفاعل.

ولربما في عالم التنمية والتدريب نطرح سؤالا هاما وهو: هل تعرف أنت لأي شيء انت متعطش في هذه الحياة، اذا انت لا تعرف فلن تستطيع ان تروي عطشك. حتى وان حققت هدف وراء هدف، وأحرزت نجاح وراء نجاح وانت لا تعرف ماذا تريد بالفعل (ما هو بداخلك)، فكل هذه الأهداف والنجاحات لن تحول حياتك الى معنى؛ لذلك يجب أن تبحث عن داخلك، او لنقترب أكثر، لتبحث عن الشغف داخلك، الشغف هو مثل البصمة التسويقية، بها يمكن تعريفك. لذلك بالشغف يمكنك تحويل حياتك إلى معنى.. من الأهمية بجانب نجاحك كمدرب محترف أن تبحث عن الشغف في داخلك.  

 والسؤال هنا: ما هو الشغف وكيف احدد شغفي:

ممّا لا شكّ فيه أن كلمة "شغف" أضحت أكثر شيوعًا في الآونة الأخيرة، وازدادت الدعوة لاتّباع الشغف وتحقيقه والعثور عليه، فما هو الشغف؟ كيف تعيشه؟ وكيف تعثر عليه؟ وهناك من يعرف الشغف بأنه شعور قويّ للغاية بالكاد تستطيع السيطرة عليه. أو هو طاقة، وشعور بالقوة نابع من التركيز على ما يثير حماسك"

حتى جيف بزوس يجيد مهارات لا يطيقها على الأرجح دفعته الضرورة لتعلمها مثلنا جميعا, كلنا تعلمنا ونتعلم مهارات ليس ضمن هواياتنا...جل الأمهات يحضرن ما لذ وطاب من أطباق بالبيت ولكن لسن جميعا شغوفات بالطبخ, جل الآباء يعملون في وظائف ومهن يجيدونها أيما إجادة ولكنهم مع ذلك لا يطيقونها.

أظن أن لجملة جيف بزوس سياقها الخاص, فهو تحدث بجملته عن الهواية وليس المهارات التي تدفعنا الحياة لتعلمها, ولو نظرنا لجملة جيف بزوس من زاوية نجاحه المبهر سواء هو أو بقية الأمثلة الناجحة بالمجتمع الأمريكي, أو حتى بقية الناجحين من أنحاء العالم سواء بالفنون أو العلوم أو التكنولوجيا, فإن كل هؤلاء حققوا نجاحهم عن طريق ممارسة شغفهم, لقد كانوا جميعا مهووسين وشغوفين بما يقومون به ويقضون الساعات الطوال في العمل على شغفهم دون أن تدفعهم الحاجة الطارئة لذلك, كالرغبة في إطعام أسرهم وأبنائهم الجياع...

أتفق معك في عدم تفهّمك لعبارة بيزوس.

ربما لعبارته سياقها الزمني التي قد تكون صحيحة فيه، حيث كانت التخصصات والمجالات والوظائف محدودة.

لكن اليوم وفي ظل وجود وظائف جديدة كل بضع سنوات فإن الإنسان لابد أن ينفتح عليها وألا يُحجّر تفكيره على أن يتبع شغفه فحسب؛ لماذا؟ لأنه قد لا يكون على وعي أصلا بمعنى الشغف، ولم يعط لنفسه الفرصة للتجريب حتى يعرف ما الذي هو شغوف به فعلًا، وهذا ما يحدث كثيرا في عصرنا الحالي، هناك خلط بين الشغف والموهبة والمهارة.

الموهبة هي شيء الذي لا يمكنك تغييره -وهبه الله لك- وتكون أنت أبرع فيه من غيرك، وهاذ ليس محور الحديث هنا.

أما المهارة فهي مكتسبة، قد أتعلم البرمجة -مثلا- رغم أنني لست شغوفة بها.

أما عن الشغف: فهو ميل النفس تجاه طريق ( مجال، تخصص، أسلوب حياة) معين

ولنلاحظ هنا أن الشغف لا يكون محدودًا، قد يكون شخص ما شغوفا بمجالين أو أكثر، وما يصنع منه شخصا ناجحا هو قيادة ذلك الشغف بشكل سليم بحيث حتى لو كان عنده شغف بأكثر من شيء، فإنه يعمل على توحيد الطريق ودمج شغفه المتفرق وبناء خطة حياة على ذلك الشغف.

مرحبا عليّ..

دعني إذا أذنت لي أن أوافق بيزوس وأختلف معك..

وأعتقد ان كلنا متفقون على كون الشغف له الأولوية القصوى أليس كذلك؟ فأرى مثلك أن اتباع الشغف أمر ضروري ولكن أختلف في النقطة الأخرى وهي أن اهتماماتنا تتبع ما نحتاج إليه بل أرى أن نجعل شغفنا هو ما نحتاج إليه، فإن الإنسان إذا لم يشعر بالشغف نحو اهتمامه فلن يعطيه كل إتقانه ولا مل تركيزه وسيفقد شيئا مهما أثناء العمل، وهو السعادة بما يعمل، وهي ركن أساسيّ كي لا يأتي وقت ويشعر فيه الإنسان بالملل والفتور، كلما ازداد شغفك ازدادت سعادتك هذا أمر بديهيّ، وبديهيّ أيضا أنه مالم تشعر بالسعادة والحب تجاه عملك سيأتي يوم لا محالة تشعر فيه بالفتور وسيعود هذا عليك بالأمور السيئة.

ربما في تجربتك الشخصية وجدت الشغف لكنك افتقدت شيئا آخر لذا لم تكمل في نفس الطريق التي تشعر فيها بالشغف، وربما لو غيرت طريقتك لشعرت حينها بالسعادة والربح أيضا.

فإني أرى أن بيزوس اهتم بالشغف كثيرا لتحقيق السعادة في العمل، مما يؤدي هذا بالضرورة إلى الإتقان فيه والكمال.

لا أقصد أن الإنسان لا يمكنه إيجاد الشغف في شئ جديد، فإن هذا يحدث كثيرا، لكن ما أقصده ان وجود الشغف والحب في العمل مهم جدا سواء كنت تشعر به في الأصل أم أنك شعرته حين اقتحمت هذا العمل، ولأن حب العمل مهم لأجل الإتقان وعدم الفتور قالوا "حب ما تعمل حتى تعمل ما تحب".

هل توافقونني الرأي في الاختلاف مع بيزوس في هذا الصدد؟ أم أنكم ترون وجهة نظره من زاوية أخرى؟

أوافق تمامًا على اختلافك معه، وقد صادف أني من عدة أيام استمعت إلى جزء من محاضرة لمؤثر في مجال ريادة الأعمال - لا أذكر اسمه - كان يتكلم عن نفس هذه الجزئية، وسأقتبس من كلامه وأقول ...

أن المعادلة التي تقول أننا لا بد من اتباع شغفنا حتى نصل إلى نجاحنا وراحتنا هو كلام غير صحيح بالمرة، بل على العكس إننا في حاجة إلى توفير ما نحتاجه وتحقيق الحرية المالية لأنفسنا حتى نستطيع الوصول إلى شغفنا وممارسته بحرية كاملة دون الشعور بالضغط المالي وخلافه من ضغوطات.

وجدير بالذكر هنا أن نفهم أن ليس كل الشغف مناسب لتأسيس عمل وتحقيق الحرية المالية منه، فعلى سبيل المثال قد يكون شخص ما شغفه هو الرسم، أو المشغولات اليدوية، ونحن ندرك تمامًا مدى غلاء الأدوات الخاصة بهذين المجالين، ومدى الوقت الذي يحتاجه المرء لتنفيذ قطعة واحدة، فإن اتبع المرء شغفه هذا فسيحتاج إلى آلاف السنوات حتى يستطيع تحقيق دخل مادي يحقق له الحرية المالية - والذي يعد من الأساس شيء مستحيل -.

الشغف شيء جميل، ولكن قبل اتباعه على المرء أن يقوم بالتأكد من أن هذا الشغف يمكن تحويله إلى عمل يصل به إلى الحرية المالية أو لا ...

هل توافقونني الرأي في الاختلاف مع بيزوس في هذا الصدد؟

لا أوافقك الرأي يا علي، وأرى أنّ بيزوس ينظر إلى المدى البعيد، أي أنّ ممارسة الإنسان لشيء لا يحبه وليس شغوفا به أقرب للموت البطيء فهو بذلك يقتل إبداعه وحماسه ويفرض على نفسه شيئا قد يجيده لكنه لا يحبه.

ولا أعتقد أنني سأكون فخورة بنفسي وأنا على فراش الموت وقد قضيت حياتي في عمل شيء لم أكن سعيدة فيه ولم أستيقظ بحماس من أجله، حتى أنّ ذلك سيؤثر على حياتنا بشكل عام وليس فقط جانب العمل أو الوظيفة.

قبل فترة جربت أن أتعلم الخياطة مع أنني لا أحبها منذ صغري، لمجرد أن أخطت بعض الأشياء الضرورية من أجل نفسي فمدح الجميع عملي وأنني أجيد الخياطة لكنني لم أستطع الاستمرار في الأمر نفسيا، لكن من ناحية القدرة فكان بإمكاني العمل فيها.

أرى أن علينا إتباع مهاراتنا في نفس الوقت الذي نقوم فيه بتطوير مهاراتنا الأخرى التي ليست من ضمن هواياتنا، فكما قلت فإن اتباع الهوايات فقط لن يحقق لنا التطور الكافي الذي نطمح إليه، وبالتأكيد فإن العمل لا يقتصر على الهواية فقط، فهناك البعض من الأشخاص اللذين لا تتوفر عندهم إمكانية العمل بما يحبون، وبالتالي يُجبرون على العمل بمجالات أخرى مختلفة، لذا فإنني أتفق معك في مخالفة مقولة جيف بيزوس، واظنُّ أنهُ كان يقتصر برأيه على أولئك اللذين يعملون بما لا يحبون مع أنهم يقدرون على العمل بأحد هواياتهم.