نحن لا نملك العيش بمعزل عن الآخرين، لتنشأ الأعمال بين الناس، وفي عالم الأعمال، كلّ ما نقدمه/نطلبه من خدمات ينصبّ بالنهاية في تعريف التجارة.

لفت نظري مثل فرنسي يقول "التجارة مدرسة الغشّ"، على اعتبار استغلال الأعمال للمصالح الشخصية وعلى حساب الاعتبارات الأخلاقية.

لكن من زاوية أخرى فإنّ تقديم الأعمال/الخدمات للآخرين تنطلق من منظور أخلاقيّ. 

ففي أحد متابعاتي على يوتيوب لروّاد الأعمال العرب، لفت نظري لقاء مع أحد روّاد الأعمال ويدعى المهندس علي القحطاني، يقول القحطاني عن موقف غيّر له رؤيته لعمله، كانت نصيحة من رجل يجاوره مقعده في الطائرة، أضعها للنقاش بيننا.

سأل المسافر القحطاني عن ما يفعل بحياته، وحين أجابه بأنه يعمل في الأعمال الحرّة، سأله الرجل وأي مجال من مجالات العمل الحرّ يعمل؟ ليقول القحطاني بأنها التجارة، فيسأله الرجل: إذاً ما هي التجارة برأيك؟

وبالتأكيد سؤال كهذا لو وجّه لنا لن نجيب بغير ما أجابه القحطاني، بأنها عمليات البيع والشراء التي تهدف بالنهاية للربح، أجابه المسافر معه بالرحلة بأنّ التجارة فلسفة، كلمة فيها:

التاء: توفيق، يأتي بالانضباط والالتزام بالعمل.

الجيم: جسارة، فالشخص الذي يدخل عالم الأعمال ليبدع فيها، لا يرى الأمور بالشكل الذي يراه الشخص العادي، بل يستغلها لتقديم خدمة أفضل، ويتخذ قراره بجسارة وجرأة.

الألف: أمانة، وكررها المسافر ثلاث مرات معتبراً إياها أصل التجارة، أمانتنا مع أنفسنا، مع عملائنا، مع موظفينا، مع المحيطين بنا.

الراء: روّية، فحتى وإن كنا نتخذ قراراتنا بجسارة، فعلينا دراسة أيّ مشروع قبل الشروع به، وتحليل السوق، ومعرفة نقاط القوة والضعف فيه.

الهاء: هبة من الله يمنحها من يشاء، لكن هذا لا يعني الاستسلام، فعلى من يدخل هذا المجال ويمارسه أن يتعلم أسسه، ويحاول اقتناص الفرص.

ثم أردفَ المسافر للقحطاني بأنه مَن يرى في تجارة الأعمال وممارستها بيعاً وشراء وحسب فهو شخص لا يبحث إلا عن الغنى وليس الثراء.ليسأله القحطاني عن الفرق بينهما فيجيبه المسافر:

الغنيّ والثريّ يملكان المال، بفارق أن الثريّ يملك المعرفة، ويبحث عن زيادة مساحتها، لذلك إن سقط الغني فقد لا ينهض مجدداً، لكن الثري سيحاول النهوض بعد كلّ خسارة، لأنه يحرص على بناء المعرفة قبل بناء المشاريع والتقدم بتطويرها، فإذا سقط فإنه يتعلّم من أخطائه ويحاول تجاوزها في بناء مشاريعه القادمة.

وأنتم؟ في عالم الأعمال الذي تمارسونه كمقدمي خدمة أو مشترين لها.

أترون التعامل يتم وفق المثل الفرنسي"التجارة مدرسة الغشّ"؟ أم تتعاملون وفق فلسفة ذلك المسافر؟ أم أنّ لديكم رؤية أخرى للموضوع؟