اهتميت مؤخراً بشكل كبير لأساليب التربية وقواعدها، وأتمنى أن يطول مني هذا الاهتمام نظراً لأن أهمية الموضوع شئ مفروغ منه ولا يحتاج لحشد تبريرات وأسباب لكونه ضرورة كالمأكل والمشرب بل يفوقهما قيمة، وعلى المقبلين على الزواج أن يبدأو في سبر أغوار هذا العلم والفن بما أوتوا من قوة وصبر، فهو فنٌّ حقيقي، فنٌّ ثمرته تكمن في إنشاء جيل صالح، وعلى المتزوجين أن يتداركوا الأمر ويبادروا بالاعتراف بالتقصير وأنهم يتبعون طرقاً خاطئة لتربية أولادهم.

وقبل أن أحدثك عن المبدأ التربوي العظيم "التبادلية التربوية" دعنا نبدأ بأفعال خاطئة شائعة جداً في معظم البيوت بصورة كبيرة، ومن ضمنها التربية عن طريق النصح المباشر والذي أحياناً يكون شديد اللهجة بل ويتطور في بعض الأحيان ليصل للإيذاء الجسدي للطفل والذي يكون غير إنسانياً في مواقف كثيرة، كتلك التي يستعمل فيها الآباء الكي أو الضرب الشديد كي يسمع الطفل الكلام!

وشهد آخر منتشر انتشار النار في الهشيم ولقد رأيته في أكثر من مرة متمثلٌ في:

"أب يسب ابنه وهو يخبره ألا يسب ابن الجيران بعد ذلك"

"أب يضرب ابنه عقاباً له على ضربه لزميله في المدرسة"

"أم تقتحم غرفة ابنها وتقول له: لماذا دخلت بين فلان دون أن تستأذن"

هناك قاعدة جميلة جداً في التربية اسمها "التبادلية التربوية" وتعني التربية التربوية ببساطة شديدة، أنني أعلم ابني من خلال أفعالي دون الحاجة لنصح شديد اللهجة أو عقاب.

وكيف يحدث هذا؟ عندما يجدك ابنك تدق الباب وتستأذن قبل الدخول إلى غرفته فإنه يدرك تلقائياً أن هذا الفعل هو الصحيح، حين يراك تردد كلمات معينة مثل "لو سمحت - شكراً - جزاك الله خيرا"

فإن تلك الكلمات تربط في عقله تلقائياً مع المواقف التي تقال فيها، ومن ثم تضاف الكلمات إلى معجمه دون الحاجة لكثير من النصح والانتقاد، فهذا الأسلوب شبيه إلى حد كبير بالتربية بالقدوة، حيث يرى الطفل أفعالك ويقلدك فيها.

بلا شك أن هذه الطريقة تكون أكثر قوة إن أضيف إليها "النصح الشفهي" فهو يساعد الطفل على الإدراك بصورة أسرع، أما الاكتفاء بالنصح الشفهي فهو إلى حد كبير ضعيف، ليس ضعيف بالمعنى الكامل ولكنه بحاجة لإبداع حتى يتيقن الطفل أن ما تقوله له من نصائح هو الصحيح، فمثلاً النصح الشفهي على شكل قصص لها مغزى يكون أقوى من النصح المباشر وهكذا.

وفي كتاب "من اليوم لن تنام حزيناً يا بني" يقو ل الكاتب فيه متحدثاً عن مبدأ "التبادلية التربوية":

"-فإن قلت لابنك: "حضرتك" سيقول لك: "حضرتك".

-وإن طرقت الباب قبل أن تدخل عليه حجرته، سيطرق الباب قبل أن يدخل عليك حجرتك.

-وإن استأذنت منه قبل أن تأخذ قلمه، سيستأذن بدوره قبل أن يأخذ منك شيئا.

والآن أخبرني: ما رأيك في مبدأ التبادلية التربوية، وما هي مساوئ تجاهله من الأب والأم إن تجاهلا هذا المبدأ في تربية أبناءهم؟