بعد نشري لموضوعات أخيرة نشرتها بشأن الثراء أو تحقيق الأهداف (مثل هذا الموضوع:

https://goo.gl/82kyra)

تلقيت الكثير من التعليقات برائحة الانتقاد بشأن علوم التنمية البشرية، وكم هي نصب، وكم هي وهم، وكم هي كذا وكذا .. حسنًا .. لنُنْهِ هذا النقاش الراقي بهذا الموضوع (وهو فعلا نقاش راق احترمت فيه كل من أدلى برأيه)، ولعل الصوة تتضح أفضل بهذا الموضوع.

المقصود بعلوم التنمية البشرية: هي كل علم يقوم الفرد منا بدراسته لرفع كفاءته العلمية، أو المهنية، أو الحياتية، أو الروحية.

أسفل هذا العنوان يمكنك وضع قائمة طويلة – قد لا تنتهي – من العلوم أو التدريبات الفرعية (سواء أكانت كبيرة أم صغيرة، طويلة أم صغيرة) تساهم في تنمية الفرد في حياته بشكل عام.

من العلوم/المهارات في هذه القائمة:

  • مهارات التواصل مع الآخرين
  • التخطيط (سواء بشكل شخصي أو مؤسسي)
  • إدارة الوقت
  • تغيير العادات
  • بناء الثقة بالنفس
  • القدرة على الخطابة والوقوف أمام الجمهور وتقديم العروض التقديمية
  • تقوية الذاكرة
  • تحليل الشخصيات
  • فن حل المشاكل وإدارة الضغوط
  • العلاج بالتنويم (التنويم فقط، وليس التنويم المغناطيسي. اقرأ هذا الموضوع: https://goo.gl/JubLc1)

  • ...................................الخ

باختصار، كل ما يضيف إليك ميزة إيجابية جديدة، يعتبر فرع من فروع علوم التنمية البشرية.

تعتبر علوم التنمية البشرية، علومًا هامة وأساسية لكل من يريد التقدم في حياته. وأغلبنا درس هذه العلوم بشكل أو بآخر في حياته الشخصية أو المهنية. وليس المقصود منها القائمة المذكورة بأعلى فحسب، فمن حضر كورسًا تدريبيًا لإتقان اللغة الإنجليزية فهذا يعتبر فرعًا من علوم التنمية البشرية، ومن حضر دورة تدريبية في تخصصه المهني (طب، هندسة، محاسبة، مبيعات) فهذا أيضًا يعتبر فرعًا من فروع التنمية البشرية، وهكذا.

بل هناك دراسات بحثية ورسائل دكتوراة معتمدة حول هذه العلوم، معتمدة من جامعات كثيرة عالميًا (قرأت ذات مرة رسالة دكتوراة في تنظيم وإدارة الوقت معتمدة من جامعة القاهرة).

أين الهُراء إذًا في علوم التنمية البشرية؟

في الواقع ينقسم الهُراء إلى نوعين:

النوع الأول: هُراء العلوم الوهمية

وهو أن يتم عمل دورة تدريبية كاملة تتحدث عن علم اسمه غريب، ونمطه مريب، وتقنعك أنه علم، وأنه يساعدك على التغير اللحظي، وأن نتائجه ثورية. من أمثلة هذا النوع: - البرمجة اللغوية العصبية NLP - قوة الطاقة علم مثل البرمجة اللغوية العصبية، نتائجه في التغيير أو التطوير الشخصي لم تتعد 30%، ويشبهه المتخصصين بأنه أشبه بتأثير البلاسيبو (الدواء الكاذب في اختبارات تجربة الأدوية الجديدة)، ولذلك لم تعتمده أي جامعة محترمة على مستوى العالم بشكل رسمي لضعف نتائجه، وعدم القدرة على الاعتماد عليها في عمل منهجي.

علم مثل (قوة الطاقة) هو ليس بعلم في الأصل، ولا يمكن إطلاق كلمة (علم) عليه. فلا أبحاث، ولا دراسات موثقة، ولا نتائج معتمدة في معامل بحثية يمكن اعتمادها، وتأكيد هذا العلم.

وقِس على هذا الكثير من المسميات المبنية على ممارسات – لأ أقول علوم – لم يتم إثبات مدى فعاليتها مع الناس بشكل علمي أو منهجي.

النوع الثاني: هُراء الكورسات التدريبية

وهي الهراء الأكبر الذي سوأ سمعة علوم التنمية البشرية إجمالاً، وهي منه براء.

بدأت هذه الموجة بظهور د. إبراهيم الفقي – رحمه الله – في الوطن العربي. د. إبراهيم الفقي رجل دارس، علمه غزير، وتجاربه ثرية، ولديه الكثير من القيمة التي يمكن إضافتها للآخرين، وأحسبه كذلك – ولا أزكيه على الله – أنه كان من المخلصين، الذين يرغبون في صنع تغيير في المنطقة العربية، ونجح في ذلك.

ولكن من جاء من بعده، ويلصق صورته على إعلانه التدريبي، ويعدك بأنك ستتحول إلى شخص آخر، بعد أن تأخذ هذه الدورة، أو أنك ستصبح مدرب معتمد في علوم اكتشاف الكون خلال دورة تدريبية مدتها 3 أيام، وستحصل على شهادة معتمدة دوليًا بذلك، فهذا هو الهُراء الثوري، الذي لم يسبقه هُراء.

نعم .. كان د. الفقي صادقًا .. ولكن ماذا عمن أتوا من بعده؟

لقد أنفق الملايين عشرات الملايين من الجنيهات لأجل تغيير حياتهم للأفضل، وكان هناك بالفعل من العلماء والمدربين من يمكنه مساعدة مثل هؤلاء، ولكن بسبب عدم مركزية علوم التنمية البشرية، ووجود مرجعية علمية، أو مؤسسة علمية محترمة يمكن اعتماد هذه العلوم منها، والاعتماد عليها، لتُخرج لنا مدربين أكفاء (معتمدين) يساعدون الناس ويوجهونهم في حياتهم نحو النجاح، حدث ما حدث من الفوضى، وتحولت التنمية البشرية إلى مهنة من لا مهنة له.

وأصبحت الوصفة سهلة للغاية: - ارتد بدلة داكنة اللون - صفف شعرك واجعله لامعًا - ضع قبل اسمك لقب (م. أو د.) - ضع قائمة من الشهادات المعتمدة التي تثبت أنك مدرب معتمد من 15 مكان (معظمهم أماكن وهمية) ويا حبذا بالطبع لو كان على رأسهم المركز الكندي للتنمية البشرية، لتدعيم مصداقية الوهم. - يجب أن تضع صورة الراحل د. إبراهيم الفقي في كل منشوراتك، والتأكيد على أنك من تلامذته المقربين (من سيبحث؟ ومن سيثبت؟ والرجل عند ربه الآن) - تحدث بقوة وثقة - اصرخ بقوة وبصوت عال لتخرج عفاريت الفشل من المحبطين الذين أمامك - أخبرهم دومًا أنهم بحاجة إلى المزيد والمزيد من الدورات الأخرى التي ستجعل حياتهم أفضل (وهي خطوة صحيحة من ناحية البزنس، ولكنها تعتبر نصب من ناحية خداع الناس). - ......................... Pla Pla Pla

وبهذا انتشرت بضاعة التنمية البشرية في الوطن العربي – وخاصة مصر – ومرت الأعوام والشهور، ووجد من دفعوا نقود أنهم لم يستفيدوا شيئًا، ولم يتغيروا، و أنه دائمًا توجد إجابة جاهزة لهذا الفشل (أنت لم تطبق بشكل صحيح ... فلان طبق ونجح)، وفلان هذا في الأساس إنسان ناجح، من قبل حتى أن تظهر التنمية البشرية في الوجود. أنا لا أكره علوم التنمية البشرية لذاتها، ولكن أكره كل من يخدع الشباب باسمها.

السؤال الآن: أنا كمتدرب، أو كشخص جاءته الفرصة ليحضر دورة في علم من علوم التنمية البشرية المذكورة بأعلى، هل توجد منهجية معينة، أو إشارات واضحة تساعدني على معرفة ما إذا كان هذا حقًا علم أم هُراء؟

بالتأكيد .. هذه الخطوة في النقطة التالية

المنهجية الصحيحة في دورات التنمية البشرية

كلمة السر: التغيير

لقد حضرت الكثير من دورات التنمية البشرية، لأشخاص في منتهى الاحترام والأمانة، ولديهم بالفعل علم، فتعلمت الأشياء التالية منهم: - كيفية التواصل مع الآخرين باحترافية: أصدقائي في العمل، وأفراد أسرتي، يقولون أنني أصبحت أكثر شخص متعادل رأوه بينهم. لماذا؟ أتعامل مع الجميع، وقلّما أخسر واحدًا منهم. (وكنت سابقًا شديد العصبية، سريع الغضب، متهور، لا أعذر أحدًا). - تحليل الشخصيات: الناس طبائع وأنماط، وإذا أردت التواصل مع أحدهم يجب أن تفهم نمطه حتى تتمكن من التعامل معه .. هذه أيضًا مهارة اكتسبتها، وطبقتها بحرفية أثناء الكورس وبعد الانتهاء منه في حياتي بشكل عام. - التحدث أمام الجمهور: أو بلفظ آخر How to make Presentations. ولم أكن سابقًا أستطيع الوقوف أمام الجمهور، أو التحدث أمام جمع كبير من الناس. أثناء الدورة، وبعدها تمكنت من الوقوف أمام المئات محاضرًا. - العمل باستمتاع: من خلال العمل بناءً على تدعيم القيم، وليس لأجل المال فحسب. وهذا لأجل الاستمتاع بحياتك المهنية.

كل ما سبق تعلمته في مدة هذه الدورات .. لم تكن أي دورة من الدورات السابقة أقل من شهر ونصف. لم أحضر ما يُسمى (دورة اليوم الواحد) أو (لقاء اليوم الواحد) الذي بعده ستتحول إلى سوبرمان. آخرها كان مدتها 3 شهور، ولم أخرج منها إلا بعد اكتسابي للصفات المطلوبة، المتمثلة في أهداف الدورة.

ما هو العنصر المشترك في كل الدورات التي حضرتها؟

أنها مرتفعة الثمن .. لم تكن واحدة منهم بأسعار رمزية، أو عرض خاص، أو فترة محدودة، أو فرصة لن تُعوض، أو أي من كلام الدعائيات الفارغ الكاذب ... نعم .. جميعها كان مرتفع الثمن، لأنه بالفعل يقدم قيمة حقيقية، وتغييرًا حقيقيًا في الشخصية، وهذا ما تفعله برامج التنمية البشرية المحترمة، سواء في الوطن العربي أو العالم.

د. إبراهيم الفقي نفسه – رحمه الله – كانت دوراته الحقيقية مرتفعة الثمن للغاية، وكان يجريها في أماكن فخمة في جزر المالديف، وجزر الملايو، أي أنها كانت باهظة الثمن، ولكن في نهاية الدورة يتم تحقيق الهدف منها.

معظم المدربين المحترفين – المحترمين – على مستوى العالم يطلق برنامج الموجه الشخصي أو Life Coach الذي يساعدك في تحقيق أهدافك. ما هو دوره؟

  • يساعدك في التعرف على نفسك وميولك وأهدافك
  • يساعدك في كتابة أهدافك بشكل صحيح
  • يتابعك بشكل منتظم (أسبوعي/نصف شهري/شهري) في رحلة تحقيق أهدافك
  • يناقشك إذا تعثرت لمعرفة أسباب التعثر ومعالجتها
  • يغير الخطة إذا استلزم الأمر ذلك
  • يحفزك ويساندك حال التعرض للضغوط أو الفشل
  • ................وغيرها كثير

المدرب الشخصي ضرورة، لأنك لن تستطيع السير وحدك، ولست في حاجة لإثبات ذلك. يكفي أن تحكي لي قصص الأهداف التي فشلت في تحقيقها، وأؤكد لك أنك كنت – حينذاك – وحدك، بدون مدرب أو مراقب شخصي.

هذا المدرب الشخصي يأخذ مبالغ باهظة، وهو أكثر الناس حرصًا على نجاحك، لأن نجاحك يدعم مسيرته المهنية، وفشلك هو فشل حقيقي له، لذلك يبذل قصارى جهده لإنجاحك، لأنك ستتحول إلى نقطة إيجابية في سيرته الذاتية.

هذا هو المنهج العلمي المنطقي لنجاح شخص ما في تحقيق أهدافه، أو لتطبيق فعلي للفظة (التنمية البشرية) .. أما ما عدا ذلك فهو كما أخبرتك سابقًا: هُراء.

أعتذر عن الإطالة .. ولكني احتجت إلى هذا التوضيح، حتى إذا سمعت يومًا من يشتم في (التنمية البشرية) يكون الأمر واضحًا بالنسبة لك.

أستمتع دومًا بمناقشاتكم الثرية، وآرائكم الراقية