بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله
قبل عامين إستوقفني مشهد مجموعة من الشباب يستجوبون المارة في الشارع ويسألون سؤالا من المفروض أن كل مسلم يعلمه ويعمل له، كان السؤال :
" ما الغاية من الحياة "
لاكن الأجوبة جاءت غريبة وبعيدة كل البعد عن الإجابة الصحيحة فجلست فترة طويلة أقلب عيني متفكرا في خطورة هذا السؤال وعلى الرغم من بساطته كما يظهر لاكن فهمه ومن ثم النزول إلى تحقيق الإجابة عنه ليس بالأمر الهين
كيف فقدنا البوصلة ؟؟
إن ما يتير الإستغراب في الوضع الراهن حجم السطحية المنتشرة والمتجدرة في عقل إنسان هذا الزمان حتى صار معها وبها لا يرى أبعد من حاجز العيش فيفني أيامه طلبا للعيش فقط وحتى وإن كان له ذالك طالب بالمزيد من العيش بطرق أخرى أكثر وأشد تطرفا الشيء الذي يلغي تماما فكرة أن الفقر أحد أسباب هذا التوجه وإنما هو طلب للعيش مع إختلاف مستوياته
هذا كله في غياب تام لرؤية واضحة وغاية حقيقية في الحياة
هنا يطرح السؤال ألهذا الحد فقد الإنسان المعنى وصار جسدا يطلب العيش من أجل العيش مع كل ما يتطلبه هذا المطلب من تضحيات بكل القيم والمبادئ مع تحايل وتمييع للدين أحيانا لتحقيق الغرض نفسه
العيش ثم العيش
ومتى كانت الغاية من حياة الإنسان العيش ؟؟
والعيش هنا يقصد به كل مظاهر البقاء على الطريقة الغريزية التي تبدأ بولادة ثم تعلم أساسيات الحياة ثم الزواج ثم توفير لقمة العيش ثم إنجاب مع تكرار العملية وصولا لمرحلة الموت
ولا عيب في ذالك، العيب أن يعيش الإنسان لكي يعيش
أولم يسخر لنا الله كل وسائل العيش وسخر لنا الأرض وما فيها لتكون وسائل نستعملها لتحقيق الغاية التي وجدنا من أجلها ؟؟
إنه رغم ما يعرفة عالمنا اليوم من تقدم مادي ضل العقل محصورا ومستلبا من مناقشة الغاية إلى الذوبان في الوسيلة بعد أن صفعته ثورة التقانة وجعلت لعابه يسيل للمزيد من العيش وإن إختلف شكله وتعددت تجلياته فإنها يبقى نوعا من الهروب الذي يمارسه الغربي اليوم بعد أن ركل الدين(الكنيسة) جانبا وإرتمى في أحضان المجهول فألتقفته الرأسمالية المتوحشة التي وضعته في دولاب الفـأر يدور ويجري لا يبرح مكانه
وإعتنق من حيت لا يدري دينا جديدا براقا يعده بالكثير وقد حرص كل الحرص على أداء أركان هذا الدين
إستهلك لتحقق ذاتك ( أنت تساوي مقدار ما تملك )
أنت فرد والفردية فريضة
الحياة هي الغاية والوسيلة
وإن كان الغربي يحمل مبررا لنفوره من الدين ونحن نعلم ويلات الكنيسة في القرون الوسطى التي وقفت إلى جانب علية القوم وباعت صكوك الغفران ووقفت سدا منيعا في وجه كل عالم خالفت علومه تعاليم الكتاب المقدس
فإن المستغرب هو مسلم اليوم ( أقصد المسلم وراثة ) الذي هو الآخر رغم أنه لم يركل الدين لاكنه مارس فعلا أشد تطرفا إنقسم معه المسلمون إلى قسمين
الأول ركب الدين ليعبد الدنيا فحول الوسيلة إلى غاية وصنع من الغاية وسيلة
الثاني عزل الدين وحوله إلى شعارات وتراتيم ومصحف يزين به جنبات منزله وقال بلسانه ما لا يفعل فصار الدين عادات وتقاليد، وهنا يحضرني مشهد برنامج تلفزي نزل للشارع ليسأل الناس عن رمضان
جائت كل الشهادات دون إستثناء بأن رمضان شهر يجتمع فيه الأهل وأنه شهر ما لد وطاب وأنه جاء في الحر وأنه شهر له جو مختلف عن باقي الشهور دون ذكر الغاية التي من أجلها جاء رمضان، مع تكرار كلمة عاداتنا ومن عاداتنا، وإسترسل الناس في تعداد أنواع الأطعمة المخصصة لرمضان
وأنت تعلم أن رمضان يحطم ارقاما قياسية في معدلات الإستهلاك وتخرج منه فئة عريضة محملة بالأمراض والدهون
أوليس الغاية من رمضان الصيام والصيام فريضة فرضها الله لغاية ترقيق القلوب والإحساس بالمحرومين وتنظيف الجسم من تبعات الإفراط في الطعام وتهذيب للنفس؟؟ فكيف إذا تحولت الغاية إلى وسيلة نركبها لنحقق مزيدا من العيش والإستهلاك ؟؟
مثال آخر، عيد الاضحى، الذي تحول إلى عيد لحم، تمتلأ معه الاسواق بأدوات خاصة بالشواء، وتنبت معه برامج طبخ تعلم طرق طبخ اللحم وتقديمه وأخرى طبية تحدر من الإفراط في إستهلاك اللحوم
والكارثة قروض الأضحية حيت بموجبها يتقدم المسلم لبنك ربوي ليقترض قرضا ربويا ليحتفل بسنة مؤكدة، في تناقض صارخ يوضح بشدة كيف تحولت العبادة إلى عادة وتقليد
وقس على ذالك من مظاهر العيش من أجل العيش
هذا كله قد يطرح تسائلا عندك عن السبب الذي تحول معه الإنسان من العيش لغاية إلى العيش للوسيلة
هنا جاء طرفين وعلى إختلاف المرجعية والتحليل إتفقوا على سبب واحد
الفراغ الروحي
أهل الدين وفي مقدمتهم علماء المسلمون المعاصرون قالوا أن السبب بُعد الناس عن الله وقصر فهمهم لمقاصد دينهم فإختزلوا الدين في عادات وتقاليد وربما عبادات جوفاء أشبه بدَين يقضيه المرء ليعود لعبادته الجديدة في وقت كان يقول حبيبا المصطفى صلى الله عليه وسلم
“ أرحنا بها يا بلال” جاء من بعده قوم وكأن حال لسانهم يقول ” أرحنا منها يا إمام ”
وعاش بذالك مسلم اليوم مستلبا لا يفتح كتاب الله إلا تبركا أو قراءة على أجساد الموتى وحتى إن فتحه لا يتدبره ويبقى معنى القرآن في صفحاته بينما أخلاق مسلم اليوم بدون تعليق مني، أترك لك التعليق.
وهنا أذكر سلوكا كنت أسلكه في طفولتي دون أن أعلم الباعت عليه كلما زرنا فردا من أفراد العائلة المترامية الأطراف، فتقع عيني على كتاب وضع جانبا في وضع أشبه بقطعة ديكور فلا يكون مني إلا أن أمرر أصبعي فوق سطحه لأعود بحفنة من الغبار وأعلم بعدها أن ذاك الكتاب كان كتاب الله الذي لا يبرح مكانه إلا في مواسم معينة.
الطرف الثاني علماء النفس الذين يأكدون أن الإنسان الغربي بعد ثورته على الدين بحت عن ملأ فراغه الروحي في التملك والإستهلاك وصار معها في دوامه لا متناهية كمن يشرب ماء البحر كلما شرب أكثر إزدادا ضمئا وهذه الظاهرة هي التي تفسر التعاطي للمخدرات والخمور والشراهة الجنسية كوسيلة للهروب من الجواب عن سؤال الغاية
والآن نرى جيوش الهندوسية تكتحس الغرب عن طريق اليوغا والتأمل في بحت عن ملأ الفراغ الروحي للفرد بطرق غير مباشرة بعد أن أرهقتهم المادية التي لا تقيم وزنا للروح وقد تطرق الدكتور مصطفى محمود لهذه النقطة في كتابه "أيها السادة إخلعوا الأقنعة" وكيف أن حياة الغرب صارت بلا معنى في مقاله "الحضارة على طريق الانتحار"
في حين أسلم عدد كبير منهم بعدما فهموا الإسلام دين الحياة وإقتنعوا به فعملوا على نصرته والعمل به، فمنهم من أسلم حذيثا فأسلم على يده العشرات وإشتغل في الدعوة إليه هناك، بينما معضمنا هنا ولد في الإسلام ولا يتجاوز الإسلام حدود بيته بل ربما لا يعم بيته أصلا ومارسنا الدين في طقوس نكررها بشكل روثيني ونقنع أنفسها أننا على خير.
نداء أخير
رسالتي لك أن تعيد تجديد عقيدتك وتعطي نفسك حقها لتعلم ربها وأعد قراءة الإسلام قراءة قناعة تحول إلى ثقافة تنعكس على سلوكك وكل جوانب حياتك
إجلس نصف ساعة وأعد السؤال ولا تهرب حتى تجيب عنه مقتنعا
ما الغاية من حياتي ؟؟
لماذا أنا هنا ؟؟
إجابتك أو هروبك كلاهما سيتركان أثرا كبيرا في مستقبلك
أنصحك بمشاهدة حلقات برنامج بالقرآن إهتديت وأنظر إلى مسلمي القناعة وقارن ما وصلوا إليه مع ما نحن عليه
(أعتذر مسبقا عن أي خطأ قد تصادفه، المهم عندي أن تصل الرسالة)
دمت في ود، السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
التعليقات